الانذار الذي وجهه الرئيس الفرنسي “ماكرون” من “قصر الصنوبر” اول من أمس في الذكرى “المئوية الأولى” لإعلان “دولة لبنان الكبير” في ١٩٢٠/٨/٣١، والذي كان لفرنسا حينذاك الدور الأساسي دولياً في تلبية رغبات العديد من أطياف الربوع اللبنانية، في تأسيس “دولة لبنان الكبير” بحدوده السياسية، التي لا تزال معترفاً بها دولياً حتى الآن.
هذا الانذار الذي ملخصه أنه لن يمنح “شيكاً على بياض” لـ”السلطة السياسية” والسياسيين الحاليين إلاّ بعد الإسراع في تشكيل “حكومة إختصاصيين”، تنفذ “خريطة طريق” وضعتها “فرنسا” لـ”الإصلاح” على جميع المستويات، لأنها تملك كل المعلومات عما جرى من فساد من ٢٠١٤/٥/٢٦ الى ما بعد “التفجير الجهنمي” الذي محا “مرفأ بيروت” -الاستراتيجي التاريخي-، ودمّر ما يوازي ثلث “بيروت التاريخ أم الشرائع”.
هذا “الانذار الأخير” لم يفاجئ المتتبع لـ”الموقف الفرنسي” من تطوّر الأحداث اللبنانية منذ ٢٠١٩/١١/١٧ الى ٢٠٢٠/٧/١ الى ٢٨ و٢٠٢٠/٧/٢٩ الى ٢٠٢٠/٨/٢٧، وهذا الموقف الفرنسي كان هو ذاته في كل مرة، ولكن من هم في السلطة السياسية كانوا ينظرون إليه غير مكترثين به، حتى أنّ ما كان يسمّى برئيس حكومة رد عليها في ٢٠٢٠/٧/٢٩ بـ”لزوم ما لا “يلزم بأنها كانت” ابتزازاً”!
وعلى أي حال فما قاله “ماكرون” أول من أمس، كان وزير الخارجية الفرنسي “جان إيڤ لودريان” قد مهد له الطريق في “تصريح إنذار” في ٢٠٢٠/٨/٢٧ وقبل أربعة أيام من زيارة “ماكرون” الى لبنان، (وهي الثانية له ما بعد “التفجير الجهنمي” ٢٠٢٠/٨/٤)، أكد فيه على “أنّ الخطر اليوم هو اختفاء لبنان بسبب تقاعس سياسييه الذين يتعيّن عليهم تشكيل حكومة جديدة، وبشكل سريع، وتنفيذ إصلاحات ضرورية عاجلة”.
وأوضح مؤكداً على ان “المجتمع الدولي لن يوقع شيكاً على بياض إذا لم تنفذ السلطة السياسية الاصلاحات المطلوبة سريعاً”. مكرراً “لأنّ الخطر اليوم هو إختفاء لبنان”..
هذا الانذار، كان قد سبقه ثلاثة إنذارات من “لودريان” “الدريان بالأوضاع اللبنانية جيدًا” أولها في ٢٠١٩/١١/١٧ جاء فيه “ان لبنان اصبح في وضع حرج”، ومحذراً بأنه “بعد وقت قصير سيجد لبنان صعوبة في التزوّد بالمواد الاساسية، خصوصاً ان بعض الشركات بدأت تتوقف عن دفع الاجور، مما اصبح من الملح للغاية على المسؤولين اللبنانيين التحرك ووضع حد لهذه الازمة”.
والثاني كان في ٢٠٢٠/٧/١ الذي أشار الى ان فرنسا تكاد تفقد الامل من تنفيذ الحكومة اللبنانية -السابقة- للإصلاحات الاقتصادية المطلوبة والمحدّدة: “حتى يتسنى للمجتمع الدولي مد يد المساعدة للبنان”، ومؤكداً “لودريان” على “ان الاوضاع في لبنان اصبحت مزعجة، وأن الوضع الاجتماعي فيه بات ينذر بالعنف”..
الانذار الثالث وجهه “لودريان” لـ”السلطة السياسية” من لبنان وتضمنه مؤتمره الصحافي في ٢٠٢٠/٧/٢٩ الذي ختم فيه زيارته الى لبنان، وحدّد فيه ثلاث نقاط هي:
١- “لبنان بات على حافة الهاوية”، وهي كانت تعني الكثير سياسياً واقتصادياً.
٢- “ساعدونا لنساعدكم” وكانت تعني ان يأخذ لبنان الحالي قراره السياسي الوطني بـ”الاصلاحات الاقتصادية”.
٣- تأكيده على ان “هذه مطالب فرنسا” وذكّر من يهمه الامر قائلاً: “وأعتقد انها سمعت”.
ولكن حين لم يسمع من هم في السلطة هذه المطالب جاء “المعلّم” والعصا بيده، وأنذرهم هو بأنّ “لا شيك لهم على بياض” إلاّ بعد عودته في ديسمبر/ كانون الاول ٢٠٢٠ ليرى هو على الطبيعة إن طُبّقت هذه المطالب التي تضمنتها “خريطة الطريق” التي رسمت معالمها فرنسا بدقة المعلومات التي تملكها عن لبنان، وعن “سياسييه”.. وإلاّ فـ”العصا لمن عصا” و خصوصا و أنه قد تبين “الخيط الأحمر” من “الخط الأزرق” في الانتخابات الرئاسية الأميركية في ٢٠٢٠/١١/٣، خصوصا إذا فاز “الاحمر” فيكون قد كسب الرهان على اللعب في “الوقت الضائع”…
وهذا ما ذكرني بما قاله المبعوث الفرنسي الى لبنان “دي مورفيل” حيث صرّح لدى وصوله الى بيروت في ١٩٧٥/١١/١٩ وكانت “الحرب القذرة” في بدايتها بأنّ: “الأزمة اللبنانية هي أساساً لبنانية ولها جانب طائفي، وأنّ مفتاح هذه الأزمة يبقى في لبنان بيد اللبنانيين، ليساعدوننا لنساعدهم”..
ولكن الانذار الفرنسي يومها لم يحترم فاحترق “لبنان”.. وأغلب الظن أنه سيُحترم الآن لأنّ هذه المرة “العصا موجودة”..!!
يحيى أحمد الكعكي