ما تبقى من الوطن الذي كان إسمه “لبنان الكبير” والذي ظهر على الخريطة السياسية لـ”الشرق الأوسط”، ومن ثم على الخريطة السياسية للعالم في ١٩٢٠/٨/٣١، واحتفل بهذا الحدث التاريخي في ١٩٢٠/٩/١ بدعم “القرار الدولي” الذي كان يمثله التجانس “الانكلو-فرنسي”..
ما تبقى من “لبنان” وهو يتابع هذا الفراغ في السلطة الإجرائية التنفيذية استناداً الى “دستور ١٩٩٠” المعطل منذ ٢٠١٤/٥/٢٦، بالرغم من كل المآسي التي سبّبها “التفجير الجهنمي” على الصعيدين الإنساني والمعنوي والمادي، والتي فاقت بأخطارها “الكورونية السياسية” الوباء الجهنمي “كوفيد -١٩”..
لا توصيف لذلك إلاّ كلمة واحدة “هَزُلَت”..
وفي هذا السياق، أردد بيت شعر يُنسب الى “أبي علي الحسين بن سعد بن الآمدي” -444هـ- وهو أديب وشاعر ولغوي، من بلدة “آمد” أي موقع “ديار بكر اليوم” في “كردستان تركيا” جنوب شرق الأناضول.
وبعض المفسّرين يرجعه الى “أحمد بن علي بن الحسين المؤدب” بالمعروف بالغالي؛ والبعض الثالث يقول ان “مضّمن”، وليس لأي الرجلين..
وأشير في هذا السياق الى مضمون هذا البيت من الشعر وهو:
لقد هزلت -حتى بدا من هُزالها- كلاها وحتى سامها كل مفلس.
وهذا البيت من الشعر قيل في “الشاة” الهزيلة”، و”الشاة” هي كل دابة، ويُرجّح هذا انها كان المقصود بها “الناقة” الهزيلة.
ويُقال ان هذه “الناقة” ممتلئة لحماً.. مُكتنزة شحماً.. لا يسومها إلاّ كابراً عن كابر.. تنقلت من زريبة عِزّ الى مثلها.
لكن… عدت عليها عوادي الأيام وألفت بها مدلهمات الخطوب فذاب شحمها واهترى لحمها حتى عادت هيكلاً عظمياً يستره الجلد وبانت كلاها من على ظهرها وأصبحت تستدر عطف المارين بها.. كـ”ما تبقى من لبنان الكبير” خصوصاً بعد “التفجير الجهنمي” لمرفأ بيروت.
ووقف عليها من المفلسين متهرئي الجيوب ممن كان يستغني ببعرها لو وصل إليه.. وقف عليها ليسومها.. لأنها لقد هَزُلت حتى بدا من هُزالها… كلاها وحتى سامه كل مفلس.. أيضاً كحال “ما تبقى من لبنان الكبير”.
وهذا هو حال الحظراء (أي الحاقدون) في عهد الحقد على “لبنان – الرسالة الحضارية”.
ولكن لماذا حصل ما حصل؟
إنه الحقد، والإهمال.. أو إهمال في العمل.
والإهمال كما جاء في تعريفه في المعاجم العربية، هو إغفال، أو ترك أمرٍ كان يجب فعله. أو هو نتيجة الطيش والإستخفاف بمطالب الآخرين. أو قلة عناية، أو عدم الإهتمام وتحقير الآخرين، أي تقصير في الواجبات.
والإهمال لا يأتي فجأة، بل يتسرّب مثل النار تحت الرماد، وهو قد يأتي مرة واحدة، وهو أن يشعر الإنسان (أو المواطن) بغربة أمام إنسان كان يحترمه (أو سلطة سياسية كان يأمل معها الإستقرار والأمن والإطمئنان الى حاضره ومستقبله) فتحل محل الإحترام والإطمئنان “الغربة”.. أو “الكراهية”..!
والغربة ليست في المكان، ولكن أسوأ أنواع الغربة أن يكون الشخص (سواءً كان فرداً أم سلطة) أمامك وأنت لا تراه وربما لا تُحب أن تراه وقد تتجاهل وجوده رغم أنّ الأماكن كلها تجمع بينكما.
وحين تتسع مساحات الإهمال تتسع معها مساحات التجاهل وهو النتيجة الطبيعية للإهمال وكلاهما إحساس بالبرودة يجتاح دفء المشاعر وتتحوّل الى قطع من الجليد تتناثر في غيبة من الإحساس.
وتصبح جداراً يفصل القلوب ويفرّق بينهما ويسود طقس غائم شديد البرودة يشبه حالات اللامبالاة التي تصيب الإنسان في حالة يأس أو إحباط.. وأسوأ أنواع الإهمال حين يكون بأيدينا لأنه يكبر ويكون البعاد هو البداية ثم يكون الفراق هو الحل الوحيد.
أجارنا الله تعالى من “الفُراق” بالتفسير السياسي اللبناني، أي إغتيال صيغة “العيش المشترك” الذي كان ضرورة بقاء “لبنان الكبير” الذي هو وللأسف في مرحلة “الذوبان”.. فهل يعبر منها..؟