في نهاية نيسان الماضي، أقرّت الحكومة خطتها الاقتصادية، وحملتها الى صندوق النقد الدولي لتطلق بعد ذلك بأيام، مفاوضات معه، آملة الحصول على دعم مالي منه. غير ان الورقة التي صوّرت آنذاك، من قبل العهد ومجلس الوزراء ورئيسه تحديدا، على انها «إنجاز تاريخي طال انتظاره، لم يعرف لبنان مثيلا له في تاريخه المعاصر أقلّه، حيث باتت للدولة، للمرة الاولى، أرقام وحسابات واضحة حول مداخيلها ومصاريفها وعجزها» (…)، هذه الورقة – الانجاز، لم تصمد طويلا.
ذلك ان المفاوضات مع الصندوق انطلقت «عرجاء». فالمصرف المركزي والقطاع المصرفي، لم يوافقا على ما جاء فيها، وقدّما أرقاما مغايرة. هذا الانقسام الذي ظهر امام المفاوضين الدوليين وأضعف موقف لبنان، دفع بلجنة المال الى الدخول على خط التوفيق بين المقاربتين، والامر نفسه فعلته بعبدا التي دعت الى اجتماع كان هدفه توحيد الموقف اللبناني، فكان ان خلصت المحادثات حينها الى قرار باعتماد الارقام «الحكومية» لا «المصرفية».
هذا التفاهم بدوره، تبين انه هش ونظري لا اكثر. فالشرخ استمرّ، وواصلت لجنة المال التي أفرزت «لجنة لتقصي الحقائق»، لقاءاتها، جامِعة ممثلين عن المالية والمصارف والمركزي. وخلال هذا المسار، الذي فرمل المفاوضات – بحيث لم تعقد اي جلسات بين لبنان والصندوق في الايام الماضية – تبيّن الكثير، ليس فقط في عشوائية الارقام – حيث تبين ان الحكومة تعاطت مع الملف المالي على ان لبنان بلد مفلس يحتاج الى اعادة انهاضه من نقطة الصفر في حين انه في الواقع متعثربفعل سوء الادارة وعدم الاصلاح – بل في الغطاء السياسي للخطة. فقد ظهر تباعا ان حتى واضعيها، ما كانوا مقتنعين بأرقامها!
وتقول مصادر سياسية مراقبة ان قرابة شهر ونصف الشهر من المفاوضات مع الصندوق، ضاعت هباء، وعادت الامور الى المربّع الاول.. ويؤكد هذا السلوك المتخبط ان الحكومة «قاصرة» وليست على قدر التحديات المصيرية التي تعهّدت برفعها. وليكتمل المشهد، نشهد انهيارات في صفوف الفريق الحاكم عينه، فبعد استقالة احد مستشاري رئيس الحكومة لشؤون العلاقات الدولية محمد علم الدين قبل اسبوعين، أعلن المكتب الإعلامي لوزير المال غازي وزني في بيان، أمس، أن «الدكتور هنري شاوول استقال من منصبه كمستشار لوزير المال ضمن الوفد المفاوض اللبناني مع صندوق النقد الدولي». وأضاف: يعرب وزير المال عن تقديره وامتنانه لجميع الجهود التي بذلها شاوول في إطار منصبه السابق».