أصبح مشهد السماء الزرقاء الصافية في أفق المدن الكبرى في العالم – للمفارقة – علامة ملموسة ومرئية بعد انتشار وباء كورونا. ويشكل ذلك بنظر الكثيرين تغيرا مُرحباً به، لأسباب ليس أقلها حقيقة أن تلوث الهواء خارج جدران المباني والمنازل، يتسبب سنويا في إزهاق أرواح ما يصل إلى 4.2 ملايين شخص في شتى أنحاء العالم.
لكن تلوث الهواء في وقت يتفشى فيه فيروس كورونا يجعل المخاطر التي يواجهها الجهاز التنفسي للإنسان بسبب هذين العامليْن تتضاعف بشدة. إذ يعكف الباحثون في الولايات المتحدة حاليا على تجميع أدلة تثبت أن تلوث الهواء، أدى إلى زيادة معدلات تفشي وباء كورونا بشكل كبير، وقاد إلى حدوث عدد من الوفيات، يفوق ذاك الذي كان يمكن أن نشهده، حال كان انعدام المُلوثات في السماء هو الوضع الطبيعي.
فالتلوث يجعل من يعانون منه لعقود، أكثر عرضة للإصابة من جهة، فضلا عن أن جزيئات المواد المُلوثة للهواء، ربما تشكل وسائط ينتقل عبرها الفيروس حسبما يقول العلماء، من جهة أخرى.
فقد أفادت دراسة أُجريت حديثا، بأن عدد حالات الوفاة الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، تأثر بشكل كبير بارتفاع مستوى الجسيمات الدقيقة العالقة، التي يصل نصف قطرها إلى 2.5 ميكرومتر في هذا البلد، حتى وإن كان هذا الارتفاع طفيفا. وأوضحت الدراسة، التي قادها باحثان من جامعة هارفارد، أن زيادة هذه الجسيمات عن المعدل الطبيعي بمعدل لا يتجاوز ميكروغراما واحدا لكل متر مكعب، ارتبطت بارتفاع نسبته 15 في المئة في عدد الوفيات بفيروس كورونا المستجد. وبحسب وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة، يبلغ الحد الآمن لوجود هذه الجسيمات في الهواء، 12 ميكروغراما لكل متر مكعب، بينما يصل المعدل الاسترشادي الذي تتبناه منظمة الصحة العالمية كمتوسط سنوي في هذا الصدد، إلى 10 ميكروغرامات لكل متر مكعب.
وفي هذا الإطار، يقول القائمون على الدراسة – التي أجراها باحثون من الجامعة نفسها وشملت 3080 مقاطعة أميركية – إنها كشفت عن أن معدلات الوفاة ازدادت بشكل كبير بين المقيمين في مقاطعات تشهد تلوثا منذ أمد بعيد، يتراوح ما بين 15 و20 عاما.
ويشير الباحثون إلى أن العلاقة بين هذين العامليْن، تعود إلى أن سكان المناطق الأكثر تلوثا، يواجهون من الأصل مخاطر أكبر على صعيد إمكانية الإصابة بأمراض القلب والجهاز التنفسي. ويقول خبراء أوروبيون في مجال الصحة إن تلوث الهواء يؤدي كذلك – كما هو معروف – إلى إضعاف جهاز المناعة لدى الإنسان، ما يضر بقدرته على مقاومة العدوى.