ما هو واضح أن مصرف لبنان لم تعد لديه أسلحة كثيرة للدفاع عن الليرة. فبحسب الرقم الذي ذكره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أخيراً، لا تتجاوز السيولة المتاحة لديه بالعملات الصعبة 20.9 مليار دولار، من ضمنها احتياطات إلزامية مقابل الودائع في القطاع المصرفي بنحو 17 مليار دولار. أي أنّ المتاح لديه من الاحتياطات يقلّ عن أربعة مليارات دولار، وهو ما يعادل واردات بضعة أشهر فقط (بلغت الواردات اللبنانية في كانون الثاني نحو 1.15 مليار دولار).
وقد ذكر سلامة رقماً مخيفاً لحجم العجز في الحساب الجاري خلال السنوات الخمس الماضية، يتجاوز 56 مليار دولار، أي بمعدّل يفوق 11 مليار دولار سنوياً. هذا المعدّل، إذا استمر، يعني أنّ الانهيار التام لليرة واردٌ خلال أشهر قليلة.
غير أنّ بعض التطوّرات قد تخفّف شيئاً من الضغوط في الأجل القريب. أولها أنّ الاتجاه الانكماشي للاستيراد والاستهلاك خفّف الضغط على ميزان المدفوعات.
وإذا ما نجحت الحكومة في الحصول على تمويل عاجل من صندوق النقد الدولي، بنحو 860 مليون دولار، (ليست من ضمن البرنامج التمويلي الذي سيبدأ التفاوض عليه لاحقاً)، فإن ذلك يمكن أن يخفّف شيئاً من الضغط عن الليرة، ولو لبعض الوقت.
يقود ذلك إلى الاستنتاج أنّ الطلب المرتبط بتمويل الاستيراد، وإن يكن مصدر استنزاف دائم للعملة الصعبة، إلا أنه قد لا يكون السبب الرئيس للارتفاع السريع للدولار في الأسابيع الأخيرة، بل الطلب المحلي من المواطنين الهادف لحفظ قيمة المدخرات التي سُحبت من البنوك. لكن المشكلة أن التمييز بين الطلبين صعب في الظروف الراهنة، لأن كليهما يتجه إلى سوق الصرافة، ويضخّم دور الصرافين ونقيبهم الموقوف.
هل من حلّ لتخفيف هذا التشوّه، والفرز بين الطلبين؟ نعم، هناك ما يمكن فعله، ولو أنّ له أكلافاً مؤلمة:
1- قد تكون موافقة صندوق النقد الدولي على القرض العاجل هي اللحظة الملائمة لاستعادة مصرف لبنان زمام المبادرة، من خلال خفض سعر الصرف الرسمي إلى ما بين 3000 و3500 ليرة، لتخفيف تكلفة استيراد المواد الأساسية على مصرف لبنان.
2- تمويل ما تبقى من الاستيراد عبر المنصّة التي أنشأها مصرف لبنان، من خلال وحدات مستقلّة للمتاجرة بالعملات تنشئها البنوك، وليس من خلال الصرافين، بهامش معقول عن السعر الرسمي، لا يتجاوز العشرين في المئة. الغاية من ذلك إخراج الصرافين نهائياً من وظيفة تمويل الاستيراد، سواء كانوا من الفئة «أ» أو الفئة «ب» أو من الدكاكين غير المرخصة، لأنّ سوق الصرافة ليس منظّماً بالقدر الكافي، ولأنّه لا ينبغي أن تكون وظيفته تمويل الاستيراد.