في ما بدا أنه محاولة لتوجيه الأنظار وتغطية الخلافات التي تعصف بين المكونات الحزبية للسلطة السياسية في شأن التعيينات الخاصة بنواب حاكم مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف خرج مجلس الوزراء أول أمس بقرار يقضي بتكليف وزير المال غازي وزني «اتخاذ ما يلزم من اجراءات مع مصرف لبنان ومع الجهات ذات الصلة بهدف القيام بعملية تدقيق محاسبية مركزة، من شأنها أن تبين الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي الى الحالة الراهنة، إضافة الى تبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي وحساب الربح والخسارة ومستوى الاحتياطي المتوفر بالعملات الأجنبية».
وعلى رغم أن الجهات المصرفية المعنية بدت مرحبة بأي خطوة تقنية من شأنها ضمان شفافية العمل لاسيما في القطاع المصرفي، إلا أن المعنيين يستغربون أن تكون «حكومة الاختصاصيين» في شأن البحث عن «الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي الى الحالة الراهنة»، متسائلة: «وهل يمكن لعاقل أن يبحث عن أسباب الأزمة بعيدا عن الخيارات السياسية المحلية والإقليمية والدولية للحكومات اللبنانية، وبعيدا عن التموضع الاستراتيجي للدولة اللبنانية على مدى السنوات الماضية في مواجهة العالم العربي والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، وبعيدا من الصفقات والفساد والهدر في الكهرباء والتهريب والتهرب الجمركي والضرائبي وغيرها؟
ويتابع المعنيون مقاربتهم لخلفيات القرار الأخير لمجلس الوزراء بالسؤال: لماذا يحصر مجلس الوزراء عمليات التدقيق بالدورة المالية لمصرف لبنان، ولماذا لا يتابع مصير الأموال بعد خروجها من مصرف لبنان عبر وزارة المال الى الوزارات والصناديق والجهات الحكومية التي صرفتها؟
ويؤكد مصدر مصرفي بارز لـ»المركزية» أن التدقيق في الأموال التي دخلت الى مصرف لبنان وخرجت منه عملية مهمة وضرورية لضمان الشفافية، وهي لا تتطلب الكثير من الجهد لأن كل شيء واضح وموثق، ولكن معرفة مصير الأموال التي خرجت من مصرف لبنان هو الأهم إذا ارادت الحكومة فعلا التعرف الى الأسباب التي أوصلت البلد الى ما هو فيه من عجز وديون متراكمة.
ويلفت المتابعون إلى أن المحاسبة الحقيقية يجب أن تكون للسلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال تحقيقات تضمن تبيان الظروف التي اتخذت فيها قرارات الصرف والاستدانة وما إذا كانت هذه الظروف هي فعلا علمية وشفافة وقانونية ودستورية… أما رمي الكرة كالعادة في ملعب حاكم مصرف لبنان فلعبة سياسية سرعان ما سترتد على لاعبيها لا سيما أن القرارات في مصرف لبنان وآليات العمل ليست شأنا فرديا من صلاحيات حاكم المصرف حصرا، وانما من صلاحيات المجلس المركزي الذي يتخذ القرارات ويشرف على العمل.