بعد «١٠٥» سنوات تطل على «لبنان – الوطن» – النهائي لكل ابنائه وليس الموقت غب الطلب – «كارثة المجاعة» التي اصابت «الربوع اللبنانية» في عام ١٩١٥ ابان الحرب العالمية الاولى، وجعلتها «غثاء احوى» – اي هشيما يابسا اسود بعد ان كانت هذه الربوع خضراء يانعة -، والتي تسببت في مآسٍ اجتماعية واقتصادية ومالية، قضى بسببها اكثر من خمس سكان هذه «الربوع» موتا وجوعا.
وكان السبب المباشر لها «الجراد الحيواني»، والحصار «السياسي – الاقتصادي» الذي ضُرب على هذه الربوع «برا» من «تركيا» – التي كانت تسيطر على «بر الشام» وفيه هذه الربوع، وسوريا وفلسطين وشرقي الاردن، حاليا -، وبحرا من الخلفاء الغربيين عموما، و»بريطانيا وفرنسا» خصوصا.
هذا كله ادى الى «مجاعة ١٩١٥» التي جعلت مما تبقى من اللبنانيين كأعجاز نخلٍ خاوية، يقتاتون من القاذورات ان وجدت، او من لحوم بعضهم البعض، بسبب النقص في الحبوب والمواد الغذائية والسيولة المالية، واختفاء قطع النقود المالية الصغيرة (!).
وهذه المجاعة دفعت بفيلسوف لبنان «جبران خليل جبران» المقيم آنذاك ١٩١٦ مهاجرا في «الولايات المتحدة الاميركية»، دفعته الى ان يكتب قصيدته «مات اهلي»، التي استمدت سفيرة لبنان الى النجوم «السيدة فيروز» بعض كلماتها لتضيفها الى ما اصبح اغنية «يا بني امي».
وهذه المجاعة دفعت ايضا بـ «الاخوان الرحباني» الى كتابة سيناريو فيلم «سفر برلك» الذي اخرجه «هنري بركات» وكانت بطلة الفيلم «السيدة فيروز» والذي عرض لاول مرة في بيروت ١٩٦٧.
هذا وحينما دخل الحلفاء الى بيروت ١٩١٨، وبمبادرة من المؤرخ اللبناني «كريستيان تاوتل»، والكاتب اللبناني «رمزي توفيق سلامة» اقيم نصب تذكاري لهذه المجاعة في بيروت في طريق الشام القديمة امام جامعة «القديس يوسف».
هذا كله تذكرته وانا اتابع «المأساة الكبرى» – الاجتماعية الاقتصادية المالية – التي تحل بلبنان منذ اكثر من ٤ سنوات عجاف، والتي تفجرت منذ اكثر من 133 يوما بسبب «الفساد» المتمثل بــ «الجراد السياسي» الذي عاث فسادا في «الربوع اللبنانية» بأكله جميع «الاخضر» وتركه لاجزاء مجزأة من «اليابس» وراءه تلطفا منه لغيره من سكان هذا «الوطن – المعذّب»!
وهذا ما نتج عنه اقسى ضائقة اجتماعية تضرب لبنان منذ ١٩١٥ وكذلك اخطر ازمة اقتصادية مالية تعصف بلبنان منذ ١٩١٥ انكماش وركود اقتصادي – وهو وصلت الى نصف طريق دورانه – ووقفه لا يتم الا من قبل تدخل الدولة بسياسة مالية عاجلة ومؤثرة في اطار «مناخ سياسي» مستقر، والافق في هذا الاطار عاصف وغير مستقر بحسب دوائر الارصاد «الجيوسياسية» في الداخل والخارج!
اضف الى ذلك مناخ «صحي – اجتماعي» غير مطمئن والذي تسوده رياح الهلع من تفشي الفيروسات فيه، وفي مقدمها «فيروس الكورونا» الغامض، والى بداية غزو «الجراد الحيواني» لـ «الربوع اللبنانية» شبه الفارغة من «الاخضر» والتي تُعاني من «اليباس» الذي لا خير فيه… وهو نذير الفقر والاوبئة، ما ظهر منها وما بطن.
حمى الله تعالى وطني لبنان من اخطار «المجاعة» ومعها «الفقر» و«الاوبئة».
يحيى أحمد الكعكي