بداية لا بد من التأكيد أننا أمام مرحلة جديدة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، وأن شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية أمام اختبار تاريخي يتمحور حول قدرتنا على مواجهة التحديات الخطيرة الراهنة بعد ان أعلن الرئيس الأميركي خطته التي تستهدف تصفية القضية وتجاوز حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال وتمهيد الطريق امام إسرائيل للهيمنة على المنطقة وبعد هذا التصعيد الإسرائيلي في محاولة لإخماد مقاومة شعبنا لهذا المخطط الذي يحاول ترامب وحليفه نتنياهو ومن خلفهما اليمين العنصري الفاشي فرضه على أرض الواقع.
لقد وضع الأخ الرئيس محمود عباس النقاط على الحروف في خطابه الشامل أمام الاجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، الأسبوع الماضي، وقبل ذلك بعد إعلان ما سمي بـ”صفقة القرن” في خطابه أمام القيادة الفلسطينية، مؤكدا على تمسك شعبنا وقيادته بالحقوق الوطنية الثابتة والمشروعة ودون هذه الحقوق وفي مقدمتها الدولة المستقلة وعاصمتها القدس لن نقبل بأي مبادرة ولن يتحقق السلام.
كما استعرض الأخ الرئيس تاريخ السياسة الأميركية الظالمة للشعب الفلسطيني والداعمة للاحتلال غير المشروع وهذا هو السبب الحقيقي لغياب السلام والأمن والاستقرار، لذلك كان اصرار القيادة الفلسطينية على رفض تفرُّد أميركا بعملية السلام لانحيازها المطلق للاحتلال ومعاداتها لشعبنا وحقوقه.
هذا الموقف الفلسطيني الشجاع دعمه العرب في قمة الاجتماع الطاريء لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة، وفي اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في السعودية، والكثير من عواصم العالم بعد ان نجح التحرك السياسي الدبلوماسي بقيادة الرئيس في تعرية هذه الخطة وكشف مخاطرها وتداعياتها، وهو موقف يستند الى الآتي:
اولا: خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أثبتت جهله التام بتاريخ وطبيعة الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه وحقوقه، فاعتقد او توهم بأن المال هو الأساس لحل القضية الفلسطينية متجاهلا أن شعبنا له وطن من المستحيل التنازل عنه بمال الدنيا، وهذا التوجه يعبر بوضوح ان عقلية ترامب هي عقلية شيطنة مالية بامتياز.
ثانيا: في آخر لقاء بين الرئيس وترامب في نيويورك ، كان موافقا على ما طرحه الجانب الفلسطيني، كما انه كان مستعدا للتوقيع ، ولكن جاء صوت من القاعة ليطلب منه ان يتمهل بالتوقيع على ما طرحه الجانب الفلسطيني ، ولكن ترامب الذي عين غلاة الصهاينة الثلاثي كوشنر و فريدمان وغرينبلات تراجع عما وافق عليه وعما أطلقه من وعود.
ثالثا: اسرائيل والغرب وبعض العرب يسوقون مقولة ان كل ما يعرض على الفلسطينيين يرفضونه، وهذه اكبر كذبة اسرائيلية امريكية اوروبية لأن الفلسطينيين قبلوا اتفاقية أوسلو وقبلوا مرجعيات الشرعية الدولية، عبر ممثلهم الشرعي الوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية، وتنازلوا عن ٧٨ بالمائة من ارض فلسطين التاريخية من اجل وقف دوامة الحروب وسفك الدماء وتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الاوسط والعالم، وبالمقابل رأينا الاحتلال ومنذ مقتل رابين لم ينفذ هذه الاتفاقية وانتهك كافة بنودها، مع ان هذه الاتفاقية مجحفة بحق الشعب الفلسطيني رغم تحقيقها انجازات مهمة ايضا للشعب الفلسطيني، كما انها وقعت في البيت الأبيض وبشهادة العالم، ليأتي ترامب اليوم وينسف هذه الاتفاقية وكل القرارات الدولية.
رابعًا: يقول ترامب ان الخطة تمنح الفلسطينيين فرصة للنهوض بمستقبلهم الاقتصادي ولكن مع الاسف ترامب وشاكلته لديهم شيطنة مالية لا حدود لها، والشعب الفلسطيني يرد على هذه المقولة بانه يعشق وطنه فلسطين ولا يمكن ان ينسى هذا الوطن من الناقورة الى ام الرشراش على البحر الاحمر ومن النهر الى البحر، ولن ينسى شعبنا يوما كيف هجَّرته العصابات الصهيونية عام ١٩٤٨ من وطنه قسرا، من الناقورة وصفد وعكا وحيفا ويافا واللد والرملة والقدس الغربية والمجدل واسدود وغيرها.
ولذلك نقترح على ترامب ان يقدم الخمسين مليار دولار الى رفيق دربه نتنياهو كي يرحل هو وجميع الصهاينة الى بلدانهم الأصلية التي تقع جنوب روسيا والتي تسمى بلاد الاشكناز، وذلك حسب رأي ليدي رينفرو اليهودية البريطانية، خصوصا ان اليهود الاشكناز ليسوا من العرق السامي كما يسوقون ولكن من العرق الآري الاوروبي.
لذلك كان لخطاب الأخ الرئيس أبو مازن ومواقفه اكبر الأثر امام جميع وزراء الخارجية العرب والشعوب العربية والإسلامية مما اخرج البيانين الختاميين للاجتماعين العربي والاسلامي بالإجماع على تبني خطاب الرئيس والورقة الفلسطينية، مما يعتبر انتصارًا للحق والعدل، فنحن الشعب لم نعتد على احد ولا نريد من احد ان يعتدي علينا ويسلبنا ارضنا بقوة السلاح بدعم أمريكي غربي بل نطالب بحقوقنا المشروعة.
ووسط هذا الرفض الفلسطيني العربي الإسلامي والعالمي لخطة العار الأميركية يطرح السؤال حول الخطوات القادمة لترجمة ذلك إلى انجاز على الأرض.
وهنا نؤكد مجددا ضرورة إنهاء الانقسام بين قطاع غزة وباقي الاراضي المحتلة، وعلينا جميعا ان نضع خطة واقعية سياسياً ونضاليا داخل الوطن المحتل لتتوحد الجهود في الضفة وغزة والداخل الفلسطيني والشتات في انتفاضة عارمة ، ستجد دعم كل أحرار العالم وشعوبنا العربية والإسلامية، لانتزاع حقوقنا في الحرية والاستقلال. وطالما ان الزعماء العرب يؤكدون مرارا انهم يقبلون بما يقبل به الفلسطينيون فالكرة في ملعبنا أولا وموقفنا هو الأساس الذي يبنى عليه الموقف العربي والإسلامي والدولي.. والله المستعان.