… قفز الى ذهني وأنا أتابع ما يجري على أرض الوطن من مآسي اجتماعية واقتصادية ومالية، تسبّب بها «الجراد السياسي» الذي عاث فساداً في الارض، والذي أكل الأخضر، وترك أجزاء مجزأة من اليابس وراءه تلطفاً منه لغيره من سكان هذا الوطن الذي كان إسمه منذ أوائل عشرينيات القرن العشرين الماضي، وحتى أوائل سبعينيات ذلك القرن: «سويسرا الشرق»، وكانت عاصمته بيروت بوجهها التاريخي الحضاري المميّز تسمى بـ«باريس الشرق».
وكان من تداعيات هذه الازمة التي هي قد تكون أقسى الازمات التي مرّت بهذا الوطن المعذّب، من: انتحار شبه جماعي بسبب عدم استطاعتهم شراء لقمة عيش لأفراد أسرهم، ولو بقيمة ٢ دولار أو ٣ دولار أميركي(!)
إضافة الى نقص في المواد الاولية الغذائية، والتي تكاد لا تكفي لمدة ٤٥ يوماً، أو أقل من اسبوع كاللحوم -كما اكد على ذلك نقيب تجار اللحوم في لبنان(!).
وفي حال وجودها الآن، فهي معروضة فقط لعدم استطاعة المواطن العادي شراؤها، مما يجعلها في حال كساد(!).
أضف الى ذلك الضائقة المالية وهي السبب الرئيسي للانفجار المدوي لهذه الازمة الاجتماعية – الاقتصادية، فالمواطن العادي الذي خبّى قرشه «الأبيض» ليومه «الاسود»، مُنع عنه بسبب أكل الجراد لـ «الاخضر» والذي تسبّب في أزمة سيولة للمصارف، وهذا ما قد ينتج عنه مع الأيام المقبلة إعلان لبنان إفلاسه كما اشارت الى ذلك المؤسسات والوكالات المالية الدولية الكبرى(!).
وهذا ما أدى الى إغلاق مؤسسات تجارية سياحية عديدة، (ولبنان اقتصاده مصنّف منذ الاستقلال باقتصاد قطاع الخدمات «المصارف، والسياحة، والترانزيت»)، وصرف اكثر من ٦٠ ألف موظف وعامل، مما ادخل لبنان في دوران البطالة الدورية!
وهي التي تظهر نتيجة حدوث إنكماش وركود في إحدى مراحل الدورة التجارية في بيئة الأعمال، التي يتطلب وقفها (وهي لا تزال في بدايتها الدورانية في لبنان) تدخل الدولة عن سياسة إقتصادية – مالية عاجلة ومؤثرة في إطار مناخ سياسي مستقر، وهذا غير متواجد في لبنان حالياً، والأفق مظلم كما تشير دوائر الارصاد الجو-سياسية(!.
وهذا ما دفع الى ان يُخاطب لبنان المعذّب عدداً من الأقطار العربية، والإقليمية والدولية، لمساعدة هذا «اللبنان» بهبات من المساعدات الحياتية بالسرعة القصوى، وهو يرقد في غرفة الانعاش ويكاد ينقطع عنه الاوكسجين بسبب ضيق ذات اليد لأول مرة في تاريخه(!!!).
إضافة الى ان فساد الجراد السياسي وأكله الاخضر وبعض اليابس ايضاً سبب ازمة بيئية عاشتها وتعيشها كل شوارع العاصمة بيروت في الضواحيومدن لبنانية عديدة بسبب طوافان هذه الشوارع بمياه الامطار والجارير، والتي دخلت ما تبقى من مطاعم سياحية، ومحلات تجارية كبيرة وصغيرة، ومعظم منازل المواطنين البسطاء، مما زاد «الطين بلة» في مأساتهم الاجتماعية(!).
قفز الى ذهني وأتابع هذه الاحداث الغارقة في وحول المأساوية، المجاعة التي ضربت لبنان في عام ١٩١٥، والتي تسبّبت في مآسي إجتماعية واقتصادية ومالية، قضى بسببها أكثر من خمس سكان لبنان، موتاً جوعاً.. وكان سببها الرئيسي الجراد الحيواني..
فهل تتكرر هذه المجاعة اليوم؟
وإن شاء الله تعالى نتابع القراءة غداً…
يحيى أحمد الكعكي