بداية لا بد من الإشارة الى ما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي امس في القدس العربية المحتلة حيث اعتقلت صباح امس، طواقم التلفزيون الفلسطيني وقامت مخابرات وقوات الاحتلال باقتحام مقر تصوير البرنامج في المدينة وأوقفت البرنامج وصادرت المعدات وأجهزة التصوير، ثم اعتقلت مقدمة البرنامج والمصور، وضيف الحلقة واقتادتهم إلى مركز للشرطة وفي باب العمود بالمدينة، حاصرت مخابرات الاحتلال طاقم برنامج ثان واعتقلت مقدمته والمصور ايضا. وفي قطاع غزة اصيب عشرات المدنيين من المشاركين بمسيرات العودة السلمية عند الحدود بنيران الاحتلال، عدا عن استمرار اعتداءات المستعمرين في الضفة الغربية والاعتقالات التي قامت بها قوات الاحتلال، وهذا كله مجرد نقطة في بحر .
وكالعادة استمعنا بعد ذلك الى سيل من بيانات الادانه والاستنكار من الفصائل الفلسطينية وقادتها ومسؤوليها، وكأن هذه البيانات كفيلة بوقف الحرب الشرسة التي يشنها الاحتلال ضد كامل الوجود الفلسطيني والحقوق الفلسطينية، او انها ستوقف تنفيذ خطته الممنهجة والمتواصلة لتهويد القدس المحتلة.
وهنا نقول بصراحة: لقد سئم الشعب الفلسطيني من الاكتفاء ببيانات التنديد المتكررة فقط، التي يصدرها مسؤولونا من كل الفصائل والأطر ضد ما يمارسه أعداؤنا بحقنا، سواء الاحتلال الإسرائيلي أو حليفته إدارة ترامب، من جرائم يومياً من قتل واعتقال وسرقة للاراضي الفلسطينية وبناء مستعمرات مسلحة عليها، واعتداءات يومية على المسجد الاقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتهجير المقدسيين الى خارج القدس ، ومحاولة فرض المناهج الإسرائيلية على مدارس القدس وغيره، في سياق مخطط تهويد المدينة المقدسة، ومحاولة تضليل العالم بأن لا علاقة للمسلمين او المسيحيين بهذه المدينة، أو جرائم الاعتداء على حقوق شعبنا كإقدام ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واعتبار بناء المستعمرات في الأراضي المحتلة لا يتناقض مع الشرعية الدولية ومحاولته تصفية قضية اللاجئين وقطع المساعدات ..الخ من المواقف العدائية الأميركية.
هذا عدا عن الحصار الآثم على قطاع غزة التي يناضل اهلها عبر مسيرات العودة للعودة الى اراضيهم و بيوتهم التي هُجِّروا منها قسرا، وحصيلة هذه المسيرات السلمية ٣٦٧ شهيدا واكثر من ١٤ الف جريح بنيران اسرائيلية، منهم الكثير الذين اصبح لديهم إعاقات دائمة ، وبالمقابل نسمع بيانات الشجب والادانة، اوخطابات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع وحصيلتها صفر كبير.
ان اي شعب في العالم اذا لم يكن له وطن حر ومستقل ذو سيادة فهو فاقد لكرامته، وشعبنا مثل كل شعوب الأرض له الحق في تقرير مصيره والعيش حرا سيدا في دولته المستقلة على ترابه الوطني.
لقد صادف هذا الاسبوع يوم التضامن مع شعبنا وحقوقه المشروعة ، ولكن مع الاسف بدون أي فعل من المجتمع الدولي يردع ويوقف العربدة الاسرائيلية والتنكر لحقوقنا الوطنية، اي ان هذا التضامن يبقى نظريا دون خطوات فعلية لانهاء الاحتلال وتمكين شعبنا من ممارسة حقوقه المشروعة.
في مقالي السابق أكدت بأن لا حل لنا الا بسواعدنا، اي بانتفاضة شعبية سلمية عارمة لا تتوقف الا بانتزاع الاستقلال، وأشرت الى ثورة الشعب اللبناني الشقيق السلمية مع عدم تجاهل الفوارق وخصوصية الوضع الفلسطيني. صحيح بأن الاحتلال الإسرائيلي سيواجه مثل هذه الانتفاضةبالحديد والنار والقتل كما يحدث على حدود قطاع غزة او كما يواجه المسيرات السلمية بالقمع في الضفة الغربية وربما بشكل اكثر وحشية، ولكن علينا ان ندرك ان انتزاع حريتنا واستقلالنا له ثمن ولكن هذا الثمن جدير تقديمه للتخلص من كابوس أبشع استعمار وتمييز عنصري.
ان الشرف والكرامة لا يكتملان الا بالوطن الحر المستقل، لذلك على قيادات فتح و حماس والجهاد وباقي الفصائل ان يفيقوا من هذا السبات وان يغادروا مربع الانقسام وان يدركوا ان تحقيق الوحدة في هذه المرحلة اهم بكثير من ان يعمل كل فصيل وفق رؤياه في مواجهة الاحتلال خاصة ما يتعلق بأهلنا في القطاع الذين قدموا الكثير من الشهداء والجرحى وتجلت وحشية الاحتلال بهدم البيوت على رؤوس أصحابها، متذرعا باطلاق صاروخ هنا او هناك. وبعد هذه الوحدة يمكن ان تتفق كافة القوى على خطة وطنية لمواجهة هذا الاحتلال بطريقة أنجع وبشكل موحد وأكثر تأثيرا في الساحة الدولية التي ستكون عندها ملزمة بالالتفات الى فلسطين وشعبها ونضاله المشروع وبالتالي العمل على دعم هذا النضال وانهاء الاحتلال.
وها هي إسرائيل تعلن بكل وقاحة نيتها ضم الأغوار وبناء مستعمرة جديدة داخل الخليل وتمضي قدما في تنفيذ مخططاتها الاستعمارية ضاربة بذلك عرض الحائط بجميع القرارات و القوانين الدولية، وببيانات الشجب والاستنكار. لذلك اصبح من الواجب الوطني والديني والأخلاقي التحرك الجدي وليس عبر البيانات لوقف هذه الممارسات التي تمس جميع الفلسطينيين في الداخل والخارج،
فهل يدرك قادة كافة الفصائل هذا الواقع؟
وبعيداً عن السياسة، هاتفني الاخ الرئيس محمود عباس، أطال الله في عمره معزياً بوفاة اخي سعد في باريس، وبعد ان شكرته على هذه اللفتة الكريمة ، قلت لسيادته بأن الموت حق لا مفر منه والبقاء لله وحده، ولكن ما يحز بنفس جميع الفلسطينيين في الشتات انه من الممكن ان يدفنوا موتاهم في اي مكان في العالم الا دفنهم في تراب وطنهم فلسطين
لقد صبر وصمد الشعب الفلسطيني ولا يزال أمام غطرسة ووحشية الاحتلال الإسرائيلي وظلم امريكا التي تدعم هذا الاحتلال الذي يحرمنا حتى من دفن موتانا في وطننا فلسطين، كما صبر على رياء الغرب وبعض العواصم الأوروبية التي طالما اتحفتنا بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بينما تخاذلت ولا زالت عن اتخاذ مواقف جدية إزاء الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه. وهنا نقول ان وحدتنا وبرنامج عملنا الموحد الذي يضع بالاعتبار أولوياتنا في كل مرحلة والذي يستند أيضا الى نضال شعبنا وانتفاضته الشعبية السلمية، كل ذلك كفيل بتقدمنا بثبات نحو تحقيق اهدافنا المشروعة بدعم وتأييد العالم أجمع.. والله المستعان