وأخيرا طلع علينا جيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأميركي الى الشرق الأوسط، وأحد الصهاينة الذين يغلفون أهدافهم الاستعمارية بالدين والجاهل سياسيا والمفلس أخلاقيا ،ليعلن استقالته من طاقم ما يسمى بـ”صفقة القرن” ثم ليعلن بعد اسابيع انه سوف يسرِّع انسحابه من هذه الإدارة الاميركية الأكثر انحيازاً للمحتل الاشكنازي الصهيوني.
الشعب الفلسطيني بكل فصائله وسلطته الوطنية لن يذرف دمعة ولن يأسف على انصراف غرينبلات الذي اثبت عداءه للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وعداءه للشرعية الدولية وقراراتها ولحقوق الإنسان وانحيازه المطلق للاحتلال غير الشرعي، وقد سبقه الكثير من المبعوثين والمختصين الأميركيين بشؤون الشرق الأوسط امثال دينس روس ،او مارتن أنديك وغيرهما الذين طالما انحازوا للاحتلال الا ان غرينبلات حطم رقما قياسيا في عدائه لشعبنا وحقوقه، والأنكى انه تلفع بثياب الباحث عن السلام وهو ابعد ما يكون عن منطق العدل والسلام.
لقد احسن رئيس جمهورية تونس، السيد قيس سعيد، وكأنه يتحدث باسم كل فلسطيني، عندما أعلن بشجاعة وبحس عربي قومي وبوضوح بأن التطبيع، الذي كان غرينبلات من الداعين له، مع هذا المحتل خيانة عظمى، وأن حقوق الشعب الفلسطيني، التي سعى غرينبلات ورئيسه ترامب الى تصفيتها والقفز عنها، لا تسقط بالتقادم.
صحيح ان غرينبلات ينصرف غير مأسوف عليه، الا ان هناك من تماهى مع مخططات هذه الإدارة الأميركية في عالمنا العربي بعد ان سخرت أميركا كل أوراقها بما في ذلك الإعلام لممارسة الضغوط وتضليل الرأي العام والظهور كأنها تسعى لتحقيق السلام.
مع شديد الاسف فان زعماءنا وحتى يومنا هذا لم يجدوا الحلول اللازمة للوقوف امام هذا التيار الصهيوني الذي يسيطر على اعلام الولايات المتحدة وجزء من الإعلام العالمي، وخصوصا الاعلام الامريكي من هوليوود الى نيويورك و العاصمة الامريكية واشنطن.
قبل انتخاب الجاهل ترامب سياسيا والمفلس اخلاقيا ، كان يعتقد ان الشعب العربي الفلسطيني لا هم له الا المال، ومن بعض خيالاته ان قال ان قضية فلسطين بسيطة و من الممكن اعطاءهم كوستاريكا. وهذا الجاهل لا يعلم ان لا اهل كوستاريكا يقبلون ، ولا الشعب الفلسطيني يقبل ان يستبدل تراب وطنه فلسطين حتى لو عرضت عليه امريكا بالذات اموال الدنيا. كما يجهل او يريد ان يتجاهل بان شعبنا الفلسطيني مرت عليه العديد من الغزوات الخارجية وآخرها الغزو البريطاني وتسليم فلسطين الى عصابات صهيونية لا علاقة لها بالسامية ، كما قلنا سابقاً، وبقي صامدا مناضلا ساعيا الى تحرير وطنه.
ان غرينبلات ليس اول من سقط ولا اخر من يسقط في فخ القضية الفلسطينية. ولا شك ان الشعب الامريكي شعب طيب ، ولكن مع الاسف جاهل تماما بسياسة بلاده الاستعمارية الخارجية، وهمه الوحيد الحفاظ على ديمقراطيته الخاصة به ، و الضرائب التي تنهال عليه بدون ان يعرف الى اين تذهب هذه الاموال، معتمدا على حكومته التي انتخبها.
وفي الآونة الاخيرة بدأت صحوة ضمير لدى بعض النخبة المتعلمة والبعيدة كل البعد عن الاعلام الصهيوني ولكنها ومع الاسف لم تصل الى ما يمكن ان يحقق العدل للقضية الفلسطينية.
ان احد الاسباب الرئيسية لهذا الواقع يعود بالأساس الى ضعف الاعلام العربي، وعدم تكريس الجهود والطاقات لمواجهة التضليل الصهيوني.
ومن سوء الحظ العربي ان تكون لنا جارة تقول عن نفسها إسلامية ولكن في الواقع هي دولة تسعى الى السيطرة على المنطقة العربية، مما بدد الكثير من الجهود والطاقات واحدث ثغرة لهذه الإدارة الأميركية وللاحتلال الاسرائيلي لحرف الأنظار عن الخطر الصهيوني الحقيقي الذي لا يتهدد فلسطين فحسب وانما ايضا يتهدد الامتين العربية والاسلامية.
والأمثلة نراها أمامنا، وقد بدأها بوش الابن عندما دمر العراق ثم سلمه الى ايران، والتدخل السافر الان في الشأن اليمني ،والنتيجة كانت انهاك الشعبين العراقي واليمني. وهذا عدا عما يحصل الان في لبنان و ما يحصل في سوريا قلب العروبة النابض، منذ ثماني سنوات، مما جعل العرب يبتعدون عن القضية الفلسطينية وعن الخطر الصهيوني.
ان ما تحدثت به وزيرة الخارجية الامريكية سابقاً كوندليزا رايس بشأن “الفوضى الخلاقة” ما زال يتفاعل، ونحمد الله بان تونس قد خرجت من هذا المأزق، وإن شاء الله السودان على الطريق وباقي اقطارنا العربية.
واذا انتهينا من هذه الفوضى غير الخلاقة وعادت اللحمة العربية، فاننا سنستطيع الوقوف امام المارد الامريكي وحليفه الاحتلال الإسرائيلي وهما عدونا الحقيقي.
أليس من العيب كل العيب ان تستغل الصهيونية الجاهل ترامب وطاقمه بمن فيه غرينبلات للوصول الى الاعتراف الأميركي بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل ، وبناء كنيس يهودي تحت مسجد قبة الصخرة يقوم بافتتاحه نتنياهو بمعية وزير خارجية اميركا، والعالم اجمع ، وخصوصاً العالم العربي والإسلامي يغض الطرف عن هذا الاجرام الديني بحق المسلمين، وما زلنا نعيد أسطوانة الحرب الدينية؟
في واقع الحال الحرب الدينية بدأت منذ احتلال اسرائيل للقدس في العام ١٩٦٧م.
وفي عهد ترامب وطاقمه غرينبلات وكوشنر والسفير الصهيوني ديفيد فريدمان بانت هذه الإدارة الأميركية على حقيقتها، وجميع المندوبين الاشكناز الذين أرسلتهم الإدارات الامريكية السابقة ،كانوا فقط بمثابة مسكنات. وشكرا لترامب الذي اسقط القناع عن وجهه عندما اعتبر وبالفم المليان ان فلسطين يهودية ، وليست لأي ديانة اخرى.
ما نقوله لهذه الإدارة الأميركية هو ان لا غرينبلات المنصرف ولا دينس روس ولا نيك هيلي ولا حتى جيوش المؤيدين للصهاينة ولا جبروت هذا الإحتلال البشع يمكن ان يركع شعبنا الفلسطيني، الصابر الصامد المناضل الذي سيبقى قابضا على الجمر مواصلا مسيرته النضالية حتى انتزاع حقوقه المشروعة في الحرية وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة لاجئيه طال الزمن او قصُر…والله المستعان.