نظّم قسم الفلسفة في كليّة الفلسفة والعلوم الإنسانيّة في جامعة الروح القدس- الكسليك بالتعاون مع Humanité Nouvelle association، طاولة مستديرة بعنوان “هل الحوار واجب أخلاقيّ أو حاجة ضمنيّة جوهريّة؟”، وذلك بمناسبة اليوبيل الذهبيّ لحركة الفوكولاري في لبنان. وكان حاضراً كلّ من النائب البطريركي العام على نيابة صربا المارونية المطران بولس روحانا، المطران سمعان عطاالله، رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة، عميد كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية الأب البروفسور جان رعيدي، الرئيس المشارك لحركة الفوكولاري الأب خيسوس مُوران، الوزير السابق ملحم رياشي، بالإضافة إلى عدد من مسؤولي حركة الفوكولاري وحشد من الأساتذة والطلاب.
الافتتاح
فيّاض
إستُهِلّ اللّقاء بالنشيد الوطني اللبناني، ثم كانت كلمة ترحيبيّة لرئيسة قسم الفلسفة ومديرة مختبر صوفيا البروفسورة ماري فيّاض التي قدّمت لمحة عن حركة الفوكولاري التي تُعتبر “حركة دينية واجتماعية، موجودة في 180 بلداً حول العالم…”
الأب حبيقة
وألقى رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة كلمة أعرب فيها عن “تقديره لحركة الفوكولاري في الكنيسة ولتراثها الديني، الذي تركته المؤسِّسة كيارا لوبيك التي عانت في جسدها، منذ صغرها، من ويلات الحرب الكونية الثانية ومآسيها. وهكذا، تكون قد عايشت مصائب التاريخ بكل أبعادها منذ نعومة أظافرها”، مؤكدًا أنه “في حين أننا نعي أنّ الله الخالق قد وهبنا نعمة الوقت للعيش بفرح ومحبة ومشاركة، أتت حكمة الإنسان الملتوية والمنحرفة لتحويل هذا الوقت إلى تاريخ مأساوي…”
وتابع الأب حبيقة: “يقول أحد علماء الاجتماع الفرنسيين “الشعوب السعيدة لا تاريخ لها”، لماذا؟ لأنه عندما يكون الإنسان سعيدًا، يذوب في لحظات السعادة والفرح ولا يُدوِّن أيّ شيء. وهنا نتساءل بحق، هل هناك من شعوب لم تكتب تاريخها؟ نجاوب بدون تردد بالنفي. جميع الشعوب كتبت تاريخَها، فإذًا جميع الشعوب تعيسة لأن التاريخ دائمًا مأساوي”، متسائلاً “وما السبيل لمعالجة ذلك؟” مؤكداً أنّ “كيارا لوبيك قد وجدت الوسيلة الأنجع المتمثلة في الصلاة والحوار”.
ثم أشار الأب حبيقة إلى أنّ “كلمة حوار في اللغة اليونانية dialogos تعني “من خلال الكلمة”، أي من خلال الكلمة ينجح الإنسان في التصدي لمشاكله وإيجاد الحلول وخلق فسحات تلاقٍ مشتركة لاستشراف المستقبل، لأنّ كل لجوء إلى العنف والحرب هو فشل ذريع للإنسانية. إذاً، الحوار هو الفرصة الوحيدة لضمان خلاص الإنسانيّة في مكوّناتها المتنوّعة”.
وختم بالقول: “تتميّز جامعتنا في حسن إدارتها للتعددية في أوساطها الطلابية، وطريقة تعليمها لكيفية إدارة هذا التنوع وقبول الآخر المختلف كجزء من الذات وطريق إليها. ويبقى هذا الطريق، المتجذّر في حركة الفوكولاري، خشبة الخلاص الوحيدة للإنسانية الضالة والهائمة على غير هدى في زمننا الحاضر”.
الطاولة المستديرة
ثم عقدت الطاولة المستديرة التي حملت عنوان “هل الحوار واجب أخلاقيّ أو حاجة ضمنيّة جوهريّة؟”، وهي تهدف إلى مناقشة مبادئ الحوار وخلفيّته الثقافيّة بغية تسليط الضوء على وجوهه الأنتروبولوجيّة والفلسفيّة. وأدارتها الصحافيّة جانين جلخ من L’Orient-Le Jour.
فيّاض
وقدّمت رئيسة قسم الفلسفة ومديرة مختبر صوفيا البروفسورة ماري فيّاض مداخلة بعنوان “الحوار، من حاجة ضمنيّة جوهريّة إلى واجب أخلاقيّ؟”، وكانت بمثابة ردّ على عنوان الندوة مشيرةً إلى أنّ “الإجابة تحمل بحدّ ذاتها عن السّؤال حول معرفة ما إذا كان الحوار يشكّل حاجة ضمنيّة جوهريّة أو واجبًا أخلاقيًّا، أسئلة تطرح أسئلة أخرى وتحاول أن تُظهر حقيقة كيان الحوار: ما هو إذًا بُعده الأنطولوجيّ الوجوديّ؟ لا بدّ للإنسان، بهدف تلبية حاجاته التي لا يستطيع أن يلبّيَها أبدًا بمفرده، أن يلجأ إلى التّواصل مع غيره. بهذا المعنى، يُشكّل التّواصل حاجة ضمنيّة جوهريّة وحتميّة. ولكن أن نتواصل لا يعني دائمًا أن نتحاور”، مبيّنةً ماهيّة الحوار وركائزه وتأثيره الجوهريّ على الصّعيدين الشّخصيّ والجماعيّ.
كرم
ثم كانت مداخلة للمدير السّابق لقسم علوم الآثار في الجامعة اللّبنانيّة، الدكتور ناجي كرم بعنوان “لبنان، أرض الحوار المعاش”، أظهر فيها “جذور الرّوح الحواريّة الّتي تواجدت في هذه الأرض البحريّة، البالغة من العمر سبعة آلاف سنة حيث سيظلّ لبنان جسرًا بين القارّات الثّلاث، وبالتّالي ميدانًا واسعًا للّقاء ومنتدًى مهمًّا للحوار؛ إنّ تقارب التّيّارات الثّقافيّة، إذا تمّت إدارته بشكل سيّء أو أُسيء فهمه، قد يقطع الحوار بشكل مؤقّت ويُسهّل المواجهة؛ وفي المقابل، إذا تمّ استيعاب العناصر الخارجيّة الجديدة بشكل سلس، وإذا دار الحوار في ظروف مؤاتية، سوف يستعيد لبنان روحه ويعود لبنان لبنان”.
مسرّه
بعدها، كانت مداخلة عضو المجلس الدستوريّ والحائز على كرسي اليونسكو البروفسور أنطوان مسرّه بعنوان “الإدارة الديمقراطيّة للتعدديّة الدينيّة والثقافيّة في لبنان”، هذا الموضوع الّذي عالجه بشكل عميق في مؤلّفاته الأخيرة، مشدِّدًا على أنّه “يجب على لبنان أن يأخذ بالاعتبار بأنّه لا يكفي أن نؤسّس الحياة المشتركة على قيم مشتركة، إنّما على تراتبيّة القيم وعلى ذاكرة الحوار الّتي يجب أن تُصان، لكي نعيد الثّقة إلى النّسيج الاجتماعيّ بأكمله”.
موران
وختاماً، ألقى الرئيس المشارك لحركة الفوكولاري الأب خيسوس مُوران مداخلة بعنوان “الحوار، علامة حقيقيّة من علامات الأزمنة” عارضاً للأسس الحواريّة لكاريزما الوحدة الّتي اقترحتها كيارا لوبيك، وقال: “يجب أن يتمّ التّعمّق في الحوار في كلّ أبعاده؛ من وجهة النظر الأنطولوجيّة، الحوار حاجة ضمنيّة في الإنسان، ويشكّل بالتّالي واجبًا أخلاقيًّا حتميًّا. ينطلق هذا التّعمّق من وعد أساسيّ هو إعادة اكتشاف التّجذّر العميق للحوار في الطّبيعة الإنسانيّة، حتّى أنّنا نجد مصادر الحوار في الثّقافات كلّها”. وأضاف: “في المجازفة بالحوار، هناك كلّ ما عندنا وكلّ ما عند الآخر، في الفضاء المتسامي للرّوح القدس الّذي يوحّدنا. وبالتّالي هناك الإنسانيّة بكاملها. وعلى هذا فإنّ كلّ حوار هو “كايروس” إنسانيّ إلهيّ. وإنّ من يحاور يصنع التّاريخ”.