أشرت في كتابي «معالم النظام الاجتماعي في الإسلام» – الصادر عن دار النهضة العربية، بيروت، في طبعاته الثلاث ١٩٨١، ١٩٨٧، ١٩٩٢، وفي كتابي «العقل في الإسلام» الصادر عن دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠١٠، أشرت الى أن «الرسول «محمد» صلي الله عليه وسلم، قام بعد استقرار في «يثرب» برسم أولى ملامح أسس النظام الاجتماعي الإسلامي في الكتاب الذي كتبه بين المهاجرين والأنصار، والذي سالم فيه يهود المدينة وعاهدهم، وهو الذي وضعه قبل وقعة بدر – التي وقعت في ١٧ رمضان في العام الثاني من الهجرة، الموافق ١٣-٣-٦٢٤م – وقبل أن ينصرم العام الأول من الهجرة، وقد أطلق عليه اسم الصحيفة.
وأوضحت أن هذه «الوثيقة» كانت أول «شرعة مدنية» لـ«حقوق الإنسان» في العالم، والتي وضّحت ولأول مرة في التاريخ، التكافل الاجتماعي الذي جعل الأمة الجديدة، جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر أعضاء هذا الجسد بالتضامن والتكافل، من خلال النظرة الإسلامية للإنسان، مطلق إنسان.
لأن التكريم الإلهي في هذه الرؤية هو لجميع بني آدم. قال الله تعالى {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: ٧٠]، لأن معايير التفاضل بين الناس في الخطاب القرآني لم تكن على أساس الدين، او العرق، او الجنس، او اللون، بل بالـ»التقوى» المفتوحة أمام الناس جميعاً. قال الله تعالى {إن أكرمكم عند الله اتقاكم} [الحجرات: ١٣].
وحينما جعل «الإسلام» «الآخر الديني» جزءاً من «الذات» على أساس ان دين الله على امتداد تاريخ النبوات والرسالات هو دين واحد، وأن التنوع في الشرائع الدينية بين أمم الرسالات إنما هو تنوع في إطار وحدة هذا الدين. قال الله تعالى {ولو شاء الله لجعلكم أمة} [المائدة: ٤٨].
وعلى ذلك تكون «الدولة الإسلامية – العربية التاريخية»، قد وضعت فلسفة «المواطنة» هذه في الممارسة والتطبيق، وقنّنتها في المواثيق والعهود الدستورية منذ اللحظة الأولى لقيامها في «دستور دولة المدينة»، حينما تأسست أمة هذه الدولة على «التعددية الدينية» وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المتعددين في الدين والمتحدين في الأمة والمواطنة.
لم يعجب هذا التحليل الموثّق «البعض» وهم «أصحاب» الأمية الفكرية الدينية، واعترضوا على مصطلح «النظام الاجتماعي في الإسلام»، وعلى مصطلح «فلسفة المواطنة»، واعتبروا المصطلحين «علمانيان»!! بسبب «الجاهلية» التي لايزالون يعيشون فيها خارج نطاق «الزمن»، وبسبب «الدين الموازي» الذي يريدون أن يفرضون بالقوة على «الجميع»، وبهدف أن يسود «دينهم المزيف» على «صحيح الدين الإسلامي» متبعين في ذلك «القاعدة المعولمة»: «العملة المزيّفة تطرد العملة الصحيحة»! ومنتصرين في «جهلهم وتطرفهم وتقوقعهم» لـ«مصطلح الأقليات»!!!
وجوابي عليهم – إن شاء الله غداً – سيكون ما أوضحه وأكد عليه الإمام الأكبر «د. أحمد محمد الطيب» شيخ الأزهر الشريف، في المؤتمر العالمي الذي نظمته «دار الافتاء المصرية» في «القاهرة» الذي عُقد تحت عنوان «التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد في المجتمعات الإسلامية في العالم «بتاريخ ١٧ – ١٨-١٠-٢٠١٦.
وأيضاً ما أفتت به «دار الافتاء المصرية» عن «فلسفة المواطنة».
وان شاء الله تعالى بعد غدٍ الخميس أتابع الحديث عن «درة مساجد بيروت» – المسجد الجامع العمري الكبير – وعن مساجد بيروت في «الوسط التجاري» فعذراً من القرّاء الكرام، لأني رأيت أن الحديث عن «فقه المواطنة» يُعزّز الحديث عن «بيوت الله في الوسط التجاري» في شقها عن «المساجد».
يحيى أحمد الكعكي