بداية، وفي ذكرى يوم الأرض الخالد، الذي يحييه شعبنا في الوطن والشتات اليوم، تأكيدا على تشبثه بأرضه ووطنه وحقوقه، لا بد من القول أن شعبنا العظيم، الصابر المناضل الصامد في وجه كل التحديات يؤكد مجددا اليوم وحدته الطبيعية وانتمائه الوطني وإصراره على المضي قدما في نضاله العادل من أجل الحرية والاستقلال مهما كان جور هذا الاحتلال وتعسفه ومهما كان انحياز أميركا لهذا الاحتلال وظلمها وعدائها لشعبنا وحقوقه المشروعة، ومهما حاول كل من يصرون على ترسيخ هذا الانقسام المأساوي ان ينالوا من هذه الوحدة التي يجسدها شعبنا في هذا اليوم وفي نضاله الثابت المتواصل متقدما على قيادات فصائله، نحو أهدافه الوطنية، في رسالة واضحة مفادها: كفى انقساما وكفى تجاهلا لإرادة هذا الشعب.
هذا الشعب الذي يكتوي يوميا باعتداءات المحتل الاسرائيلي، الذي يقتل ويجرح ويعتقل الأطفال والشباب والنساء والشيوخ، لرفضهم هذا الاحتلال، كما يكتوي باعتداءات المستعمرين اليهود المسلحين، على البشر والحجر والشجر، المدعومين بحكومتهم المتطرفة، والذين هاجروا ولا زالوا من روسيا واوروبا الشرقية، التي تسمى ( بلاد الاشكناز ) والذين ارتكبوا بحق شعبنا منذ بداية القضية أكثر من ١٥٠ مجزرة في مختلف أنحاء الوطن، وكان من بين نتائج ذلك التهجير القسري لمئات الالاف من ديارهم بفعل تلك المجازر، في الوقت الذي ادعى فيه اولئك الصهاينة أنهم ساميون، أي من أحفاد سيدنا نوح عليه السلام، وهم ليسوا ساميين ، لأن سيدنا نوح عاش في البلاد العربية والتركية وقيل انه بنى سفينته إما في شمال سوريا أو في تركيا. أما الاشكناز فقد كانوا ومازالوا يعيشون في شمال ألمانيا أو جنوب روسيا، وفي ايام الحروب البيزنطة اعتنقوا الديانة اليهودية لانهم لم يريدوا الدخول في حروب بين الشرق والغرب، وأصبحوا تجارا .
نقول هذا ليس كرها في اليهود، ولكن تبيانا للحقائق التي حاولت الصهيونية قلبها رأسا على عقب .
ووسط الظروف الدقيقة والحرجة التي تعيشها القضية الفلسطينية اليوم نجد للأسف بعض الدول – عربية أو إسلامية- تسعى للتطبيع مع اسرائيل بما يخالف مقررات القمم العربية والإسلامية المتتالية، بعدم التطبيع مع هذا الاحتلال، بما في ذلك قمة الجامعة العربية للعام ٢٠٠٢م في بيروت، حسب ما اقترحت السعودية برئاسة الملك عبد الله بن عبد العز يز، رحمه الله، عندما كان وليا للعهد في حينه، والتأكيد أن الاعتراف بإسرائيل لا يمكن ان يتم قبل انسحابها من جميع الاراضي التي احتلتها في العام ١٩٦٧م وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين بموجب القرارات الدولية، وانسحابها من الاراضي العربية المحتلة- الجولان وجنوب لبنان.
ان الذي احتل فلسطين التاريخية ليسوا اليهود السفارديم – الشرقيون – أو السامريون أو “الصبرا” الذين هم فعلاً ساميون مثلنا، وعشنا معهم بكل سلام ومحبة، ولكن بعد هزيمة العرب على يد هؤلاء الاشكناز بدعم بريطاني وامريكي، احتلوا ٧٨ بالمائة من بلادنا. ثم قبلنا بالقرار ٢٤٢ للعام ١٩٦٧م على أمل أن يسود السلام وتتوقف دوامة الحروب وسفك الدماء، وأصبح الشعب الفلسطيني، يملك فقط ٢٢ بالمائة من فلسطين التاريخية، وجاءت الشرعية الدولية لتؤكد حق شعبنا في إقامة دولته المستقلة على هذا الجزء من الوطن سعيا لتحقيق سلام دائم وشامل.
شعبنا الفلسطيني بأغلبيته الساحقة لم يبع شبرا واحدا من فلسطين التاريخية ،والذين باعوا هم قلة ضئيلة من السماسرة وبوثائق مزورة واحابيل صهيونية، وللعلم ففي العام ١٩٤٨م كان الفلسطينيون يملكون ٩٣ بالمائة من الأراضي. وهذا ما أكده لي ايضا شمعون بيريس في بيت السفير المصري الاخ المرحوم محمد البسيوني، وقال لي “نحن أطلقنا هذه المعلومة وتلقفها الإعلام العربي وشكرا لهذا الاعلام الذي عممها للعالم اجمع”، ويقصد مزاعم بيع الأراضي!
هذه الدول القليلة جدا التي تتجه نحو التطبيع تحقق لهذه الدولة المحتلة ما تريد، لأنها بهذا التوجه تلمح وتوضح للإسرائيليين بأن العرب لم يعد يهمهم لا فلسطين ولا حتى القدس والمسجد الأقصى، و بهذا يضلل المحتل العالم اجمع أن القدس والمسجد الأقصى تاريخيا ليسا للعرب والمسلمين وإنما هو “معبد سليمان” او الهيكل المزعوم، رغم أن جميع الحفريات منذ العام ١٩٦٧م التي قامت بها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لم تعثر حتى يومنا هذا على اي أثر لهذا المعبد المزعوم
لذلك تراهم اليوم يقتحمون المسجد الأقصى ويؤدون طقوسا تلمودية في باحاته، في محاولة لتغيير الوضع القائم. ولذلك نقول لإخواننا العرب والمسلمين إننا نعرف اليهود الصهاينة تماما، فهم لم يحترموا أي توقيع لهم في الأمم المتحدة او مع الدول العربية التي وقعت معاهدات صلح مع هذه الدولة العنصرية، والدليل امام اعينكم، فقد وقعوا مع الاردن معاهدة صلح سُميت بوادي عربة وتضمن ذلك أن جميع الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، هي تحت الرعاية الاردنية، ولكنهم لم يحترموا ذلك، بل إن المسجد الاقصى، مسرى سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام مرتعا للمتطرفين اليهود، رغم الاحتجاجات الأردنية المتتالية.
صحيح ان هناك من العرب من يعتقد، وبحسن نية، أن الاتصال بإسرائيل أو التطبيع معها قد
يشجع إسرائيل على الاتجاه نحو السلام، ولكن ما يريده نتنياهو وقادة إسرائيل المتطرفون هو تصفية القضية الفلسطينية وإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية والإسلامية. كما أن المشكلة الحقيقية هي ان ترامب الداعم للصهيونية والاحتلال يدعم إسرائيل كي لا تقوم بتحقيق سلام عادل مع الفلسطينيين أصحاب الأرض. وها هي أميركا ترامب كما ترون بأم العين تقدم لإسرائيل “هدايا” على حساب الفلسطينيين والعرب – القدس والجولان – وتدعم ممارسات الاحتلال الوحشية ضد الشعب الفلسطيني وحتى ضد الاحتجاجات السلمية.
نحن نقدر ونحترم مواقف السعودية الشقيقة، منذ مؤسس البلاد، الملك عبد العزيز رحمه الله و طيب الله ثراه، وابناءه الملوك بمواقفهم الثابتة الداعمة للقضية الفلسطينية، وآخرهم الملك سلمان بن عبد العزيز، اطال الله بعمره، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان أطال الله بعمره، ووفقه بجميع أعماله إن كانت اقتصادية أو صناعية وخصوصا تركيزه على صناعة كافة أنواع الاسلحة، ووعده بأنه خلال العام ٢٠٣٠ م سيكون للمملكة السلاح الذي من خلاله ستستغني عن شراء خمسين بالمئة من السلاح الغربي أو الشرقي. وفي جميع القمم العربية لم ولن تحيد المملكة عن مسارها السياسي تجاه قضية العرب الاولى، وهذا ما اكده لي الأخ الرئيس محمود عباس.
كما أن دولة الكويت العربية، لها ايضا مواقفها المشرفة الداعمة لفلسطين ولن تحيد عن دعمها للقضية الفلسطينية ، وهذا جميعه سيسجله التاريخ بأحرف من ذهب.
وهنا نقول لباقي الدول العربية: نرجوكم ان توقفوا تقرب البعض من اسرائيل رأفة بقضيتنا العادلة و رأفة في مسجدكم الأقصى وأن تحترموا ما وقعتم عليه في جميع القمم العربية والإسلامية، خصوصا في قمة بيروت ، وفي قمة الظهران والتي سُميت بقمة القدس الشريف.
أما ايران، التي تحاول زرع الفتنة بين العرب مع بعضهم البعض، والتي تحلم وتعتقد بأن اسرائيل هي الحامية للدول العربية فنقول لها إن هذا الحلم لن يتحقق.
يزعم نتنياهو بأعلى صوته بأن علاقات اسرائيل مع الدول العربية سوف تتحسن بفضل سياسة هذه الدول ضد ايران، ولكن أين هو السلام الذي تحقق الان؟ لقد استولت اسرائيل على الجولان بدعوى أمنها ، كما استولت على مياه الجولان خصوصاً منابع بانياس التي تزيد عن ٢٨بالمائة من المياه التي تستهلكها اسرائيل ، ومستقبلا ستقول بأن المياه التي لديها لن تكفيها، لذلك عليها احتلال جنوب لبنان لتصل الى نهر الليطاني!!
اسرائيل وايران الفارسية هما الدولتان اللتان يجب ان نضعهما في سلة واحدة فيما يتعلق بكرههما للعرب، وكما احتل اليهود الاشكناز بدعم بريطاني أمريكي فلسطين، واراض عربية، فإن ايران احتلت الجزر الثلاث الإماراتية منذ ايام الشاه.
ما نرجوه من العرب والمسلمين أجمعين أن يحترموا ما وقعوا عليه في القمم العربية والإسلامية، وأن لا يفعلوا مثلما فعلت أميركا واسرائيل بالتنكر لما وقعتا عليه من اتفاقيات أو تعهدات.
إن فلسطين أمانة في أعناق جميع الدول العربية والإسلامية ، التي تدرك جيدا أن الفلسطينيين الذين يعملون لديها يحترمون قوانينها ولا يتدخلون بسياساتها، بل بالعكس يعملون بشرف وأسهموا ولا زالوا في نهضة هذه الدول.
وأخيرا نقول لهذه الدول إن اسرائيل هي الأفعى الحقيقية، التي دعم الاستعمار البريطاني الامريكي إقامتها، كي تعم الفوضى جميع الدول العربية والإسلامية، وكي تهيمن اسرائيل بتفوقها العسكري الذي تصر أميركا على ضمانه دوما، وكي يطمئن المستعمرون على مصالحهم في جميع هذه البلدان.
وبمناسبة يوم الأرض الخالد نقول للجميع ان شعبنا سيواصل نضاله العادل بدعم الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم، ولن يهزه هذا التطبيع أو ذاك كما لن يهزه جبروت أميركا وإسرائيل، والله المستعان.