بقلم: فيصل ابو خضرا عضو المجلس الوطني الفلسطيني
لا شك ان الشعب الفلسطيني سئم من عدم أنهاء هذا الانقسام المأساوي الذي يدمر مشروعنا الوطني، ويسّهل على هذا المحتل العنصري ومن وراءه اميركا تمرير صفقة القرن المشؤومة التي تقود نحو واقع يجعل من الجميع عبيداً لأبشع احتلال منذ عصور الجاهلية. ومع الأسف فإن زعماء الانفصال يرون الخطر أمام اعينهم ولا يسعون بما يمليه عليهم واجبهم وضمائرهم لخدمة هذا الشعب الصابر الذي يعاني من نير هذا الاحتلال.
ولا ندري متى سيصحو هؤلاء الزعماء والقيادات من سباتهم الذي طال أكثر من أحد عشر عاماً عجافاً على الشعب الفلسطيني.
لقد قامت العديد من الدول العربية بما يمليه عليها واجبها من الجهد وكرم الضيافة لتمكين فصيلي «فتح» و«حماس» من الاتفاق على تجاوز هذا الانقسام، ولكن مع الأسف بعد التوقيع على بنود تلك الاتفاقات يكتشف الشعب الفلسطيني بأن تلك الاتفاقات حبرا على ورق.
أول هذه الاجتماعات عقد في العام ٢٠٠٧م وقد احتضنته المملكة العربية السعودية تحت رعاية العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبد العزيز، رحمه الله، في مكة المكرمة بين «فتح» بقيادة الأخ الرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في حينه، وقد تم الاتفاق على انهاء خلافاتهما في مكة المكرمة وأمام أستار الكعبة المشرفة وطي صفحة الانقسام، ومع الأسف بعد العودة الى الوطن بقي كل شيء على حاله، بل تعمّق هذا الانقسام وأصبح اكثر بشاعة.
وفي صنعاء عام ٢٠٠٨م وقعت كل من حركتي «حماس» و«فتح» في ٢٣ آذار على انهاء الانقسام وعودة الأوضاع كما كانت عليه قبل الانقلاب وظهرت تفسيرات شتى من «حماس» حول كلمتي “على الفور” كما طالبت حماس أن تكون إعادة الوحدة بقيادتها، وطبعاً «فتح» لم تقبل لأن «حماس» رفضت ان تكون عضواً في منظمة التحرير الفلسطينية مما يشكل انتهاكاً لاتفاقية اوسلو، التي اعترف العالم اجمع بها بعد الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير واسرائيل، وعادت الأمور كما كانت عليه.
وفي شباط من العام ٢٠٠٩م جرت في القاهرة محادثات كانت نتيجتها استقالة د. سلام فياض من منصبه كرئيس للوزراء للتمهيد لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتوصل الطرفان لحل بشأن الأجهزة الأمنية، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، الا ان المشاكل بدأت حول حكومة الوحدة الوطنية. وكما حصل في السابق انتهت المفاوضات الى لا شيء.
وفي ٢٧ نيسان من العام ٢٠١١م وفي القاهرة أعلنت «فتح» و«حماس» انهاء الانفصال كما جرى في مكة بين الرئيس محمود عباس وخالد مشعل، وتشكيل حكومة انتقالية من تكنوقراط، والتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية، كما تم الاتفاق على بند مهم جداً وهو دخول «حماس» الى منظمة التحرير، وفرح الشعب معتقدا بأن هذا الوفاق يعتبر نقلة نوعية لانهاء الانفصال ولكن مع الأسف وكالعادة عادت «حماس» لعادتها القديمة وتوقفت تلك المحادثات بحجة واهية وهي ان فتح أصرت على إعادة د. سلام فياض كرئيس للوزراء مع ان السيد سلام فياض ليس فتحاويا بل يعتبر من رجال التكنوقراط ولا ينتمي الى اي فصيل.
وفي ٢٣ شباط أبرم في العاصمة القطرية اتفاق جديد بين خالد مشعل والرئيس محمود عباس لتنفيذ بنود اتفاقية القاهرة للعام ٢٠١١ م وصرح كلاهما بأن لا خلافات بعد هذا التاريخ، وبعد مغادرة الرئيس محمود عباس الدوحة لم تلتزم حماس بشيء، أي لا وألف لا لانهاء الانفصال.
وفي ٢٣ شباط من العام ٢٠١٤ تم في مخيم الشاطىء بغزة الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكنوقراط، وكانت هذه الاتفاقية كسابقاتها حبراً على ورق.
وفي العام ٢٠١٧م اعتقد الشعب الفلسطيني بأن حماس جادة في انهاء الانفصال بعد ان تعهد يحيى السنوار بان الاتفاق على الأبواب وهنا لا بد ان نذكر ما قامت به المخابرات المصرية من جهود مضنية واجتماعات مطوّلة حيث اتفقت حماس وفتح على اعادة حكومة الوفاق الوطني الى غزة برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، لكن محاولة اغتيال الحمدالله واللواء ماجد فرج، رئيس المخابرات، لدى وصولهما الى غزة قضت على جميع الآمال بالتوصل لأي اتفاق.
وكان آخر محطات الفشل في انهاء الانقسام في العاصمة الروسية موسكو مؤخرا مما جعل الشعب الفلسطيني يضيق ذرعا من سوء النوايا وعدم الرضوخ الى رغبة الشعب الفلسطيني وررادته، وخرج الاجتماع بدون أي نوع من التوقيع على أي اتفاق.
وما من شك بأن الأخ مصطفى البرغوثي حاول المستحيل لتقريب وجهات النظر ظناً منه بأن الفصيلين لديهما رغبة أكيدة بانهاء الانفصال واقترح بأن تستأنف الاجتماعات المكوكية في العاصمة المصرية. أي انه حتى ثقل موسكو السياسي والعسكري لم يشفع بانهاء الانفصال، وهذا مفهوم للذي يعرف عقليات بعض الفصائل التي هدفها بعيد جداً عن المفهوم الوطني الفلسطيني للوحدة.
الشعب الفلسطيني أشرف وأنقى بكثير من قياداته التي ما زالت تراوح مكانها في تكريس هذا الانفصال المخزي الذي يبدو أنه استشرى في دماء بعض قادته الذين يتعامون عن التضحيات من قوافل الشهداء بجميع الأعمار إناثاً وأطفالاً وشباباً وشيوخاً وعن الجرحى والأسرى، عدا التصدي لجيش الاحتلال العنصري، وخصوصا أهلنا في القدس الشريف وفي المسجد الأقصى بالذات، وأخيراً في معركة البوابات الالكترونية ثم باب الرحمة. وهنا علينا ان نحيي أهلنافي القدس وفي قطاع غزة الذين يتصدون لاسرائيل بدون دعم هذه الفصائل لحماية الأقصى وللمطالبة بفك الحصار وحق العودة الى ديارهم في فلسطين التاريخية مما ادى ليومنا هذا الى استشهاد ٢٨٠ من بينهم أطفال و نساء وصحفيون ومسعفون، من جميع الأعمار في مسيرات العودة عدا عن الجرحى والاعتقالات.
أكثر اللوم يضعه الشعب الفلسطيني على استمرار الانقسام وتمرد ” حماس” على منظمة التحرير والتي تشكل العمود الفقري للاستقلال والتحرر من المحتل، وما سبق ذلك من انقلاب مسلح، مما جعل أهلنا في القطاع تحت حصار ظالم من محتل غاصب لا يعير أي اهتمام للمواثيق الدولية والانسانية، لحوالي مليوني نسمة، وزيادة على هذا تقوم اسرائيل بممارسة هوايتها العنصرية بغارات جوية لهدم البيوت وتدمير المزارع والبنى التحتية، مما يشكل خرقاً فاضحاً للقوانين الدولية، هذا عدا عن تأخر إعادة ترتيب البيت الداخلي وخاصة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا .
والآن يجري كوشنر الصهيوني محادثات في بعض الدول العربية لتسويق ” صفقة القرن” وبنفس الوقت تقرر اسرائيل تسريع منح المقدسيين الجنسيات الاسرائيلية لتتوافق مع “صفقة القرن” وهذا كله يتزامن مع أوامر نتنياهو السطو على المستحقات الضريبية للسلطة الوطنية وبإغلاق مصلى باب الرحمة، ونحن مع الأسف ما زلنا نراوح مكاننا في ترسيخ الانفصال. فأين هي القيادات التي تصر على استمرار الانفصال من كل هذه التضحيات من شهداء واسرى وجرحى؟
والغريب أن فصيلي الجهاد وحماس يطالبان المنظمة بالانسحاب من اتفاقية اوسلو التي أحد بنودها اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وهي التي مكنت حماس من الفوز في مقاعد المجلس التشريعي، كما ان اوسلو مكنت منظمة التحرير من ادخال ستمائة الف فلسطيني الى غزة والضفة، أي عودة للوطن بدل استمرار النزوح خارج الوطن حيث اضطرت اسرائيل للسماح للقيادة والكوادر والمقاتلين وعائلاتهم بالعودة الى داخل وطنهم فلسطين، وزيادة على ذلك ان أحد شروط أوسلو هو ان قطاع غزة والضفة المحتلة أرض فلسطينية واحدة، أي ولاية جغرافية واحدة ولكن الانقسام جاء ليسهم في تحقيق نيات اسرائيل بفصل القطاع عن الضفة. والحقيقة أن المحتل هو الذي لم يلتزم بإوسلو لأن التزامه بأوسلو يعني استمرار التقدم الفلسطيني نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
المشكلة بعدم انهاء الانفصال تعود مع الأسف لأجندات خارجية تتناقض مع رغبات أهلنا في القطاع خاصة وشعبنا عموماً. وهنا فإن ابناء شعبنا بجميع اطيافه الفصائلية والمستقلين يذكرون زعماءنا الأفاضل بأن من لا وطن له لا كرامة له، وأن هذا الشعب الصامد المرابط سئم من تصرفات الفصيلين التي لا تدل الا على الاستهتار بقضيتنا الوطنية وإرادة شعبنا.
الشعب الفلسطيني ماض في كفاحه ابتداء من القدس الشريف وفي غزة هاشم الصامدة وصولاً الى الخان الأحمر ومختلف انحاء الضفة حتى ينال حريته حتى لو واصل اولئك المصرّون على استمرار الانفصال المخزي التمترس خلف مواقفهم المدمّرة.