يقول الدكتور فيليب حتّي في كتابه تاريخ لبنان انّ قنوبين اسم يوناني يعني دير او مسكن الرهبان. وانّ دير قنوبين الحصين المبني في صخر من صخور وادي قاديشا الوعر اصبح مقرًّا للبطريركية المارونية.
وانّ الوادي المقدّس ترجع تسميته الى الاجيال الوسطى عندما وجد النُسّاك الموارنة ورهبانهم في كهوفه ومغاوره ملاجىء امينة. ومن هنا نفهم قولاً مأثورًا: أنّ قنوبين هي لوحة الله.
في هذا الوادي المقدّس الذي تفوق عدد مغاوره الثمانمئة والذي تفوح منه رائحة التقوى والايمان عاش الموارنة مع الرهبان ومع الاباء والمطارنة والبطاركة مئات السنين في الكهوف ومارسوا شعائرهم الدينية بتقوى وايمان ومحبّة.
في هذا الوادي الذي تحضن تربته رفات عشرات الكهنة ورجال الدين والاحبار والنسّاك والمؤمنين ينضح عطر القداسة وينتشر في اجوائه هواء الايمان الذي عندما تتنفسّه تشعر انّك حلّقت في السموات البعيدة وانّك انتقلت الى عالم آخر، عالم الصدق والقناعة والانعتاق من الذات والانحلال من صغائر الدنيا ومتاهاتها.
تشعر في قلب الوادي انّك متمسّك بايمانك وانّك ابتعدت عن اليأس وكأنّك تستيقظ من نومك لتستقبل بالاغاني نور الفجر الجديد. في هذا الوادي تتذكّر قول جبران:”الرحمة والقسوةُ تتصارعان في القلب البشري مثلما تتحارب العناصر في فضاء الليالي المظلمة الماطرة” وكلّما اكملت المسيرة عبر تعرجاته ستشعر أنّ الغلبة ستكون للرحمة لانّ الله رحمة ومحبة وغفران.
قنوبين لوحة الله بجمال الطبيعة بسحرها، بتألّق ازهارها وبعطر اريجها، بزقزقة عصافيرها، بسكونها، وبالخشوع الذي ينتابك وانت سائر، تتطلّع الى فوق فيبدو لك السحاب لوحات من الفن والابداع وتمشي بين الوديان وداخل التعرجات فتنسى انّك في واقع وتحسب نفسك تتعايش مع الخيال وتتساءل هل نحن في حقيقة ام في حلم.
قنوبين لوحة الله لانها تعلّمنا انّ الشرعة الوحيدة التي يتوجّب علينا ان نعيش بها ولها هي شرعة المحبة كل الناس ومحبة الكائنات الحية ومحبة الطبيعة. فالمحبة وحدها تصنع العجائب، وحدها تملك المفتاح الى قلب الحياة والى علاقته بالله المهيمن على هذا الوادي المقدّس.
وبعد الى رئيس الندوة اللبنانية للحفاظ على البيئة والى الصديق والشاعر صاحب الروائع الشعرية بالفرنسية تحية محبة وتقدير لانتاجه الشعري الجديد. Qannoubine: meditations et poemes
فانت يا صديقي انطوان رجل لكل الفصول للبيئة، للانسانية، للخدمة العامة وللشعر انت كما قال اوسكار وايلد: كنت شيخًا في شبابك فلا عجب ان تكون شابًا في شيخوختك.
اطال الله بعمرك