لفت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى أن «فريقاً من مصرف لبنان ما زال يُعدّ لإطلاق العملة الرقمية، وهي تختلف عن العملات الافتراضية التي حذّر منها مصرف لبنان ومن استعمالها كوسيلة الدفع «بيتكوين»، إذ أنّها سلعة وأسعارها تشهد تقلّبات حادة»، محذّراً من أن «تزايد العمليات والتقنيات الإلكترونية سيؤدي إلى ارتفاع نسبة المخاطر وعمليات القرصنة والاحتيال، وعلى العاملين في القطاع الإعداد لهذه الخطوة المُرتقبة وعدم انتظار القوانين والتعاميم». وقال «إننا في مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة وسائر الجهات المصرفية والمالية والأمنية ومنها قوى الأمن الداخلي، نتطلّع إلى تعقّب هذه الجرائم والتصدّي لها من خلال نشر الوعي المُستمر واتخاذ التدابير الوقائية والعلاجات المناسبة لتفادي وقوعها والحد من نتائجها».
الإفتتاح
عقد أمس «ملتقى مكافحة الجريمة الإلكترونية الرابع» برعاية الحاكم سلامة وحضوره، وينظّم الملتقى للسنة الرابعة على التوالي «هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان» و»مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية» لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بالتعاون مع «مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا» (مينافاتف) بدعم من المفوّضية الأوروبية، وبالاشتراك مع «مجموعة الاقتصاد والأعمال».
وتحدث في جلسة الافتتاح كل من الحاكم سلامة، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وأمين عام هيئة التحقيق الخاصة ورئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ونائب رئيس مجموعة «إغمونت» وممثلها الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبد الحفيظ منصور، والسكرتير التنفيذي لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الوليد آل الشيخ، وحضر الملتقى نحو 400 شخصية ضمّت وزراء ونواباً وسفراء وممثلي أجهزة قضائية وأمنية ورؤساء الوفود المشاركة في أعمال مجموعة «مينافاتف» وممثلي الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية والمرجعيات القانونية والخبراء المصرفيين من لبنان والعالم، إضافة إلى ممثلي شركات معلوماتية متخصصين في مكافحة الجريمة الالكترونية.
سلامة
وتطرق سلامة في كلمته الى إطلاق لبنان لعملته الرقمية، وقال: «ما زال فريق من مصرف لبنان يُعدّ لإطلاق العملة الرقمية، وهي تختلف عن العملات الافتراضية التي حذّر منها مصرف لبنان ومن استعمالها كوسيلة الدفع Bitcoin، إذ أنّها سلعة وأسعارها تشهد تقلّبات حادة. كذلك عالمياً، تدلّ التقارير إلى أنه يتم استعمال العملة الإفتراضية أو الأصول الافتراضية في عمليات تبييض أموال بوتيرة أعلى من تمويل الإرهاب لعدم وجود آليات صرف لهذه العملات قريبة من منطقة النزاع. أما في ما يتعلق بنظام وتقنية (Blockchain) فإن واحد من كل خمسة بنوك مركزية سيستخدمون هذه التقنية بحلول عام 2019، و(Blockchain) ستُستعمل في مجالات إدارية مختلفة بمعزل عن استخدامها للعملة الافتراضية. فالعملة الرقمية ستكون مصدّرة من مصرف لبنان وبالليرة اللبنانية واستعمالها محلي فقط. والهدف من العملة الرقمية تسهيل أساليب الدفع وتفعيل التكنولوجيا المالية وتوفير الكلفة على المستهلك. كما أن إقرار قانون للتوقيع الإلكتروني سيفعّل مقاصة الشيكات الإلكترونية ويعدّل مفهوم المقاصة التقليدية فتجري هذه المقاصة بين المصارف من دون الوسطاء. أما في موضوع «قانون الحماية العامة للبيانات الشخصية» لـ Regulation Protection Data General GDPR الصادر عن البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، فصدر عن مصرف لبنان التعميم الأساسي رقم 146 بتاريخ 13-09-2018 الموجّه إلى المصارف والمؤسسات المالية المتعلق بأصول التعامل مع هذا القانون، وهو يتطرّق إلى الإجراءات وطريقة الإبلاغ والتدابير. وأريد ان اؤكد ان القانون المذكور آنفاً لا يتعارض ولا يؤثر على عملية مكافحة تبييض أموال وتمويل الإرهاب».
وأضاف: «أصبحت المعاملات الإلكترونية في لبنان واقعاً يومياً، إلا أنها في الماضي كانت تتم في ظل فراغ تشريعي حتى شهر أيلول المنصرم حيث صادق مجلس النواب على قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي الوارد في المرسوم رقم 9341 تاريخ 17-11-2012 كما عدّلته اللجان النيابية المشتركة ومجلس النواب».
وختم سلامة: «إن تزايد العمليات والتقنيات الإلكترونية سيؤدي إلى ارتفاع نسبة المخاطر وعمليات القرصنة والاحتيال، وعلى العاملين في القطاع الإعداد لهذه الخطوة المُرتقبة وعدم انتظار القوانين والتعاميم. إننا في مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة وسائر الجهات المصرفية والمالية والأمنية ومنها قوى الأمن الداخلي، نتطلّع إلى تعقّب هذه الجرائم والتصدّي لها من خلال نشر الوعي المُستمر واتخاذ التدابير الوقائية والعلاجات المناسبة لتفادي وقوعها والحد من نتائجها».
عثمان
بدوره قال اللواء عثمان: «نحن في مؤسّسةِ قوى الأمن الداخلي، ومن ضمنِ الخطّةِ الاستراتيجية، بدأنا بمكننةِ مختلفِ القطعاتِ لدينا، وقد قطعْنا شوطًا كبيرًا في هذا المجالِ، وإن شاء اللهُ سنصلُ إلى مكننةٍ كاملةٍ خلال السنوات القليلة القادمة. كما أنّنا نعملُ على تحقيقِ الأمنِ المعلوماتيِ، معتبرين أنّه شرطٌ أساسيٌّ لحسنِ اشتغالِ مختلفِ النظمِ والبرمجيّاتِ والشبكاتِ الإلكترونية لدينا، للحدِّ مِنَ المخاطرِ السيبرانية، وتأمينِ وسائلِ الحمايةِ منها. وقمْنا بوضعِ الخططِ اللازمةِ لمواجهتِها في حالِ حصولِها، فباشرْنا في العامِ السابقِ بتشكيلِ لجنةٍ لإعداد دراسة حول إنشاءِ لجنةِ استجابةٍ لحالةِ طوارئَ معلوماتية (CERT). وقامت اللجنة المذكورة بإعدادِ وُرَشِ عملٍ بحضورِ خبراءَ من الاتّحادِ الأوروبي، بحيث جرى تحديدُ المتطلّباتِ الإداريةِ واللوجستيةِ والبشرية؛ تمهيدًا للانتقالِ إلى مرحلةِ التنفيذِ في العام 2019».
وأضاف: «لتأكيدِ أهمّيةِ الأمنِ السيبراني في لبنان، اتّخذَ رئيسِ مجلس الوزراء سعد الحريري قرارًا بإنشاءِ هيئةٍ وطنيةٍ للأمنِ السيبراني، ممثلةً بمختلفِ الوزاراتِ والقطاعات والأجهزة الأمنية والعسكرية؛ لإعدادِ خطّةٍ وطنيةٍ لتأمينِ الفضاءِ السيبراني، في المستوى العالمي، ولحمايةِ المواطنين والتبادلات الاقتصادية والتجارية كلّها، من أيّ تهديدٍ محتمَل. ولا يخفى علينا وعليكم أنّه ومن المتعارَفِ عليه دوليّا وعالميّا، وعلى الأصعدة والمستويات جميعها، أنّ المصارفَ والعملياتِ المالية، هي الهدفُ الأساسُ للعددِ الأكبرِ من الجرائمِ السيبرانية المرتكَبة. فإن معظم أهدافها ماليةً ولو كان ظاهرها مستترًا بأهدافٍ أُخرى. لذلك وكما ذكرنا، فإنّنا نعطي أهمّية كبرى لحماية مختلفِ قطاعاتِ الدولةِ والمؤسّساتِ العامّةِ والخاصّةِ، والمواطنين كافّة. وتماشيًا معَ القوانين الدَّوْلية فقد استحدثنا لهذه الغاية عدّةَ قطعاتٍ جديدةٍ لمكافحةِ مختلفِ أنواعِ الجرائمِ التي تطاولُ هذه القطاعات. كما أنّنا نعملُ على تطويرِها بشكلٍ مستمرٍّ من تجهيزاتٍ وبرمجيّاتٍ، وعلى إنماءِ القدراتِ البشريةِ، واكتسابِ المعرفةِ من خلال الدوراتِ التدريبية، والمؤتمراتِ الدَّوْلية المتتابعة، وتبادلِ الخبراتِ معَ أجهزةِ إنفاذِ القانون في العالم. ولكن خلال العام 2018، ما زالت الشركاتُ التجارية اللبنانية تتعرّضُ لعدّةِ أنواع من القرصنةِ الإلكترونية، لا سيّما بواسطةِ البريد الإلكتروني. فتقومُ هذه الشركات بالتواصلِ بواسطة البريد الإلكتروني معَ مورديها من الشركات الأجنبيةِ، بحيث يقوم المقرصِنُ بقرصنةِ بريدِها الإلكتروني، أو بريدِ الشركة الموردة، ثمّ يقومُ بالتواصلِ معَها بهدفِ الاستيلاءِ على الحوالةِ بنتيجةِ التبادلِ التجاري بعد تغيير وجهةِ الحوالة من حسابِ الشركةِ الموردة الى حسابٍ مصرفي يعودُ إلى المقرصِن».
منصور
بدره قال منصور: «في العام 2014 بدأنا نشهد في لبنان تزايداً ملحوظاً في قضايا الجرائم الالكترونية الناتجة عن البريد الالكتروني المزوّر تعرضت له العديد من المصارف والأفراد على حد سواء، وقد تطورت حالات الخرق والسرقة. وبعد تحليلٍ ودراسة مستفيضة للأنماط المستعملة تبيّن ان سبل المكافحة المباشرة صعبة للغاية للأسباب التي سبق ذكرها، وان الوقاية من هذه الجرائم تكون من خلال رفع مستوى الوعي لأنماطها وأساليبها وهي قد تكون أفضل سُبل العلاج، وهو الاستنتاج الذي توصلت اليه كبريات الدول في مواجهة هذا الخطر، ذلك انه بعد سرقة الاموال فان امكانية استعادتها ضئيلة جداً. ولأجل ذلك اطلقنا المؤتمر الاول للحماية من الجرائم الإلكترونية في العام 2015 للتعريف بها والتوعية على مخاطرها، وتلا ذلك مؤتمرات سنوية تعقد لهذا الغرض منذ العام 2015. وكان من نتائج ذلك الجهد المتواصل أننا اصدرنا خلال المؤتمر السنوي الثاني الدليل الارشادي للوقاية من هذه الجرائم وقد شمل الدليل في الفصل الاول منه ارشادات موجّهة للمصارف وفي الفصل الثاني منه ارشادات موجهة للأفراد. ونتيجة لمتابعة ودراسة احصائيات القضايا الواردة للهيئة، تبين لنا تراجع في عدد حالات الانخداع بواسطة البريد الالكتروني التي تتعرض لها المصارف، فقد تراجع عدد الانتهاكات من 32 حالا في التسعة أشهر الاولى من العام 2017 الى 23 حالا في الفترة عينها من العام 2018. وهذا الامر ناتج عن الجهد الذي بذل والتواصل المستمر مع المصارف وبرامج التدريب التي وضعت لتوعية الموظفين للحالات المحتملة وللمؤشرات كما جاءت في الدليل الارشادي».
آل الشيخ
وتحدث آل الشيخ فقال: «تُعدّ الجريمة الإلكترونية إحدى أخطر أنواع الجرائم التي تواجهها الدول والمجتمعات في ظل الانتشار السريع والمتزايد لاستخدام الإنترنت والتطور المستمر في تقنيات الاختراق والقرصنة والاحتيال الإلكتروني، إذ تفوق الخسائر السنوية الناجمة عن هذه الجرائم 500 مليار دولار. الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود لمكافحة هذا النوع من الجرائم من خلال التوعية وسنّ التشريعات واتخاذ التدابير لتطوير أنظمة حماية تقنية وتشغيلية».