إفتتح البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس، في الصرح البطريركي في بكركي، أعمال المؤتمر الأول «الإجتماعي الإقتصادي لبكركي»، بدعوة من «المؤسسة البطريركية العالمية للإنماء الشامل»، في حضور عدد من الاساقفة وفاعليات اقتصادية واجتماعية من لبنان ومن دول الإنتشار وهيئات رسمية وسياسية وكهنة ورهبان وراهبات.
يهدف هذا المؤتمر الى ربط القدرات المسيحية الإقتصادية في لبنان مع تلك الموجودة في بلاد الإنتشار لتنمية حقيقية ودعم سلسلة من المشاريع الحيوية لخدمة المجتمع.
إستهل المؤتمر بكلمة لنائب رئيس «المؤسسة المارونية العالمية للانماء الشامل» الدكتور سليم صفير، فشرح أهداف المؤسسة ودوافع إنشائها لخدمة المجتمع اللبناني لا سيما على الصعيدين الاجتماعي والإنمائي.
وشدد على «ضرورة ربط الانتشار اللبناني بالوطن الأم، وتفعيل الاستثمارات فيه وفتح صفحة جديدة عنوانها تنمية حقيقية ورجاء جديد للشباب اللبناني في أرض لبنان».
ولفت صفير إلى أن «هذا المؤتمر يؤكد أن للبنان قيمة كبيرة محفوظة في قلوب أبنائه المغتربين حتى ولو ابتعدوا عنه، فمحبة الوطن وأرض الآباء والأجداد تبقى في قلوبهم وضمائرهم».
بعد ذلك عرض وثائقي عن «تاريخ الموارنة منذ نشأتهم حتى اليوم وما تعرضوا له من تحديات واضطهادات ومجاعات زادتهم تعلقا وثباتا في ارضهم».
ثم ألقى البطريرك الراعي كلمة قال فيها: «يسعدني أن أحييكم جميعا، وأرحب بكم، وأشكركم على حضوركم ومشاركتكم في مؤتمر بكركي الاجتماعي- الاقتصادي، الذي دعت إليه وتنظمه المؤسسة البطريركية العالمية للإنماء الشامل. فأشكر نائب الرئيس الدكتور سليم صفير وأعضاء مجلس الأمناء على عملهم الدؤوب وتضحياتهم، وعلى إحياء هذا المؤتمر ذي الأهمية الكبرى، لأنه يأتي في وقته، والمجتمع ينظر إليه بأمل وثقة».
واضاف: «نحن هنا من أجل مزيد من التعارف المغني، وشد أواصر الترابط بين لبنان المقيم والكرسي البطريركي من جهة، وأبنائه المنتشرين عامة والموارنة خاصة في مختلف بلدان الانتشار من جهة أخرى هذا الواقع شبيه بالأرزة المتأصلة في الجبل اللبناني فيما أغصانها تنبسط أفقيا في كل اتجاه. فلا الجزع يعيش من دون الأغصان، ولا الأغصان من دون الجزع. هذا المؤتمر الذي نريده سنويا يهدف إلى المحافظة على هذا الترابط العضوي الحيوي، وما يقتضي من مستلزمات متبادلة».
وتابع: «نحن هنا لنفكر بمستقبل شبابنا الذين يتخرجون بالمئات سنويا من الجامعات اللبنانية، ولا يجدون مكانا لهم في وطنهم لتحفيز قدراتهم، وتحقيق أحلامهم، وتحمل مسؤولياتهم في مجتمعنا ووطننا. إن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي يتدنى يوما بعد يوم بسبب الممارسة السياسية التعطيلية لحياة الدولة. لقد أصبح ثلث شعبنا تحت مستوى الفقر، وثلث شبابنا وقوانا الحية عاطلين عن العمل. فلا تستطيع الكنيسة إلا أن تضاعف جهودها، فالمجمع البطريركي الماروني المنعقد ما بين 2003 و2006 خصص نصين لكل من الشأن الاجتماعي والشأن الاقتصادي».
أضاف: «اجتماعيا، تنطلق كنيستنا من ثلاث ثوابت: التضامن، والعدالة الاجتماعية، والترقي. وتتبنى سياسة اجتماعية هادفة إلى تأمين حقوق أبنائها الأساسية: الحق في بناء عائلة، والحق في السكن، والحق في العمل، والحق في الصحة والطبابة، والحق في التعليم والثقافة، وهي تعمل من أجل تأمين هذه الحقوق في مختلف مؤسساتها، وفي تثمير أوقافها، من دون أن تغفل عن مطالبة الدولة المسؤولة الأولى عن توفير هذه الحقوق والقيام بواجباتها. ولن تتوانى الكنيسة عن بذل المزيد من الجهود والتضحيات بحكم رسالتها، ولكنها بحاجة إلى مؤازرة الخيرين والقطاع الخاص، مع أن لا الكنيسة ولا القطاع الخاص يحلان محل الدولة، بل يساعدانها. فبات من واجب الدولة أن تساعد ماليا المؤسسات الاجتماعية».
وتابع: «واقتصاديا، بعد تحليل الأوضاع الاقتصادية الحالية المتردية، حددت كنيستنا مواقع الانحراف فدعت للعودة إلى المعايير الأخلاقية في الحياة الإقتصادية والاجتماعية، ولضرورة تعديل النظام الضريبي. وتعمقت في تحليل السياسة النقدية وقضية الدين العام. وأكدت على النظام التربوي وحق البقاء في الوطن، وعلى أهمية التلاحم مع جاليات الانتشار. وطالبت بالسير نحو مجتمع منتج قوامه سياسة دعم شاملة للنشاطات الانتاجية مع تأمين حمايتها، ومكافحة الفساد، وتحقيق الاصلاح في الهيكليات والقطاعات».
واشار الى أن «هذه هي الأطر التي تدعونا للتفكير معا في كيفية المحافظة على وجودنا في لبنان من أجل المحافظة عليه بميزاته وخصوصياته التي جعلت منه علامة رجاء في هذا المشرق، وبالتالي في كيفية تثمير إمكانياتنا في هذا السبيل».