كتب المحرر الاقتصادي :
نبّه الخبير المالي والاقتصادي غازي وزني إلى الانعكاسات السلبية للتأخّر في تأليف الحكومة على الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، داعياً المسؤولين السياسيين كافة إلى تحمّل مسؤولياتهم والإسراع في التشكيل تحسّساً لخطورة الوضع الاقتصادي الذي بلغ حدّ الانهيار. ودعا القوى السياسية إلى «ضرورة تأليف الحكومة في أسرع وقت، كونه عاملاً يعزّز الثقة بالاقتصاد الوطني والوضعين المالي والنقدي، ويحرّك النمو عبر الاستثمار والاستهلاك، ويسهّل عملية تنفيذ الإصلاحات الضرورية المطلوبة في مؤتمر «سيدر».
ونبّه وزني في حديث إلى «الشرق»، إلى أنه «في حال لم تطبّق الحكومة الخطوات الإصلاحيّة، عندها سنصل حتماً الى التدهور والانهيار الكلي، لأن المواطن لم يعد يحتمل صعوبة الوضع الاقتصادي الذي يُهدّد حياته يوميّاً ويعرّض معيشته للخطر».
وشدد على أنه «لا يمكن اعتبار مصرف لبنان مسؤولاً عن تأزّم الوضع الاقتصادي في لبنان، كما أنه لا يقدر بمفرده على الاستمرار في المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي في البلاد، لذلك على القوى السياسية أن تلعب دورها في التوافق في ما بينها وتأليف الحكومة والبدء بتنفيذ الإصلاحات الضرورية عبر مشروع موازنة 2019.
الشائعات الأخيرة أهدافها سياسية
وأكد أن «الشائعات التي انتشرت في الفترة الأخيرة عن زعزعة في وضع الليرة والقطاع المصرفي وغيرهما، أظهرت أن أبعادها سياسية بامتياز وهدفها تهديد الاستقرار المالي والنقدي في البلد».
ولفت إلى أن «غالبية المؤشرات المالية الصادرة عن مصرف لبنان أو القطاع المصرفي، دحضت كل تلك الشائعات»، وقال: في معرض المقارنة بين أرقام الفصل الأخير من العام 2017، والأرقام المسجّلة حالياً، نلاحظ أن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية ارتفعت نحو 3،9 في المئة أي من 43 مليار دولار إلى نحو 44 ملياراً، كما أن نمو القطاع المصرفي سيقارب هذا العام الـ5 في المئة بينما لم يتجاوز الـ4 في المئة في العام 2017 «.
وشدد على أن «لا خروج للودائع من لبنان إلى الخارج، ما يدلّ إلى أن القطاع المصرفي اللبناني لا يزال يتمتّع بعامل الثقة من قِبَل المودعين والمستثمرين»، لافتاً إلى «ارتفاع معدلات الفوائد في الفترة الأخيرة نتيجة تردّي وضع المالية العامة، وتزايد المخاطر على الديون السيادية في لبنان، وتباطؤ النمو الاقتصادي، ووصول الدين العام إلى مستويات مرتفعة جداً تصل إلى 85 مليار دولار في نهاية العام 2018، ما يعني أن أي تحسّن في هذه المعطيات يدفع بمؤسسات التصنيف الدولية إلى تقييم إيجابي للوضع النقدي والمالي في لبنان لا سيما معدلات الفوائد في المرحلة المقبلة.
ولفت رداً على سؤال، إلى أن مصرف لبنان يملك ثلاث أدوات تقليدية للمحافظة على الاستقرار النقدي، وهي: أولاً: تعزيز الاحتياطات بالعملات الأجنبية – ثانياً: ضبط السيولة بالليرة اللبنانية للحدّ من عمليات المضاربة – ثالثاً: رفع معدلات الفوائد بالدولار الأميركي لاستقطاب الأموال من الخارج، وبالليرة اللبنانية لإقناع المودعين بإبقاء أموالهم بالليرة اللبنانية.
ولفت إلى أن «هذه الخطوات طبيعية وضرورية لأي مصرف مركزي في العالم الذي يريد المحافظة على الاستقرار النقدي والحدّ من معدلات التضخم في الوقت ذاته».
الأسباب التي أضعفت النمو
وقال وزني إنّ «لبنان يتراجع اقتصادياً، منذ بداية الأزمة السوريّة عام 2011 والاضطربات التي حصلت في المنطقة وأهمّها عدم الاستقرار السياسيّ والأمنيّ وغيرها من العوامل التي كانت كفيلة بتراجع لبنان اقتصادياً واجتماعياً ومالياً».
وعدّد في هذا السياق، الأسباب التي أدّت الى إضعاف النمو الاقتصادي:
– السبب الأوّل يرتبط بالقطاعات الاقتصادية المتضرّرة ومنها القطاع السياحي الذي تراجع إلى أكثر من 20% مقارنةً بالعام 2010، إضافة الى قطاع البناء والعقارات، من هنا فإن القطاعات الخدماتية كافة متضرّرة، في حين تراجع الاستهلاك إلى حدّ كبير.
أضاف: انطلاقاً من هذه الوقائع، فإنّ تقديرات النمو للعام 2018 تصل الى 1.5 في المئة بينما تعتبر تقديرات صندوق النقد الدولي في العالم أقل من النسبة المُشار اليها.
– السبب الثاني يعود الى وضع الماليّة العامة الذي تراجع في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، إذ كان يقتصر على 6%، في حين يتجاوز اليوم نسبة 10.5%، مع الإشارة إلى أن العجز يجب ألا يتجاوز الـ5%.
وأشار إلى أن هذه «الوقائع تعود إلى عوامل عدّة منها التوظيفات العشوائيّة التي حصلت في الفترة الأخيرة، مع توظيف أكثر من 26 ألف موظف، إلى جانب ملفّ سلسلة الرتب والرواتب وغياب الدراسة الكاملة له، فيما لم تكن الإيرادات إيجابيّة، وغيرها من الأسباب المرتبطة بالإنفاق العشوائي والهدر والفساد والتي أدّت بدورها الى ارتفاع نسبة العجز».
كذلك لفت إلى «الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يمرّ بها لبنان، حيث ارتفعت نسبة البطالة لتتجاوز الـ25%، ما يضع البلد أمام مرحلة دقيقة وصعبة جداً، ستزداد سوءاً وتدهوراً في حال استمرّ الإهمال». لافتاً في هذا السياق، إلى أن «المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الحكومة والقوى السياسية، إذ أنها لم تتخذ في السنوات الماضية أيّ إجراء فعلي وواقعي من أجل المعالجة، سواء في ما خصّ ملف الكهرباء أو أزمة النفايات أو الوضع الاجتماعي والمعيشي المتدهور».
واعتبر وزني أن «الإصلاح الحقيقي يتطلّب تكاتف القوى السياسية وتجانسها والتضامن في ما بينها، واختيار أصحاب الكفاءة والمؤهّلات لإحداث النقلة النوعيّة المنشودة وتحسين الوضع الاقتصادي». مشدّداً على أنّ أبرز الحلول لتجنّب الأسوأ، تكمن في تشكيل حكومة إنقاذية متجانسة، تعمل على تقديم مشروع اقتصادي إصلاحي يرتكز على معالجة أزمة الكهرباء في معزل عن التجاذبات السياسية، على اعتبار أنها بادرة أساسية لحلّ الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، مع ضرورة ضبط الهدر ومكافحة الفساد إضافة إلى تنشيط الحركة الاقتصادية التي تشكّل عنصراً إيجابياً من شأنه أن يخفّض العجز المالي وينسحب على خفض الدين العام».