صرخة وجع قوية أطلقتها أمس قوى الإنتاج، المتمثلة بالهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام ونقابات المهن الحرة ونقابات قطاع التعليم والادارة العامة، من خلال الوثيقة الاقتصادية التي اطلقتها خلال لقاء جامع عقد تحت شعار «معاً لإنقاذ الوطن» في مقرّ الاتحاد العمالي، «رفضاً للتأخير في تشكيل الحكومة، وحفاظاً على مقدراتنا وحمايةً لأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية وصوناً لبلدنا ومستقبل أجيالنا».
وطالبت الأفرقاء السياسيين بـ»الذهاب فوراً إلى تشكيل حكومة جامعة ونوعية وذات صدقية، والبدء بالإصلاحات المالية والادارية والقطاعية، والشروع بمكافحة واستئصال الفساد وإعتباره أولوية وقضية وطنية، واتخاذ قرار حازم بوقف الهدر وشدّ أحزمة مختلف مؤسسات الدولة، والعمل على عودة سريعة وكريمة للنازحين السوريين».
وحضر هذا الحدث الاستثنائي والجامع حوالى 100 شخص من رؤساء الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام ورؤساء نقابات المهن الحرة، ورؤساء نقابات قطاع التعليم وقطاع الادارة العامة، ورؤساء الجمعيات والنقابات الاقتصادية، الذين عرضوا بإسهاب خلال جلسة مغلقة معاناة مختلف القطاعات والمؤسسات والعمال والاساتذة والمعلمين، والخوف من حصول المزيد من التدهور الذي يضع البلد في مهبّ الريح.
شقير
بعد ذلك بدأ القاء الكلمات والبدايةً مع رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير الذي قال:» كفى.. البلد بأهلو ومؤسساتو وطبيعتو وترابو ومياهو وهواؤو ما بقى بيحتمل». واضاف «لقد شبع اللبنانيون من لعبة عض الاصابع، التي لم ينتج عنها سوى الألم والنزف والخسائر والتي لا يحصدها سوى الناس. كفى هدراً للوقت وللفرص المستمر منذ سنوات طويلة، والذي يهدد اليوم مؤتمر سيدر والنفط والغاز وكل أمل بإعادة النهوض بالبلد».
واشار الى ان «القوى سياسية متمترسة وتتصارع من أجل ربح مقعد او مقعدين، لكن النتيجة:المزيد من انعدام الثقة بالبلد، المزيد من الفقر والبطالة وهجرة الشباب والتراجع المعيشي، المزيد من اقفال المؤسسات وانحدار الاوضاع الاقتصادية والمالية، المزيد من تردي الخدمات والتجاوزات والفساد، والكثير الكثير من التعب النفسي».
وناشد القيادات السياسية بالقول «اتركوا الحسابات الخاصة .. دعوها جانباً، المطلوب ان لا تعلو أي حسابات على حساب الدولة والشعب». وقال «نريد حكومة اليوم، حكومة جامعة توحي بالثقة، نريد ان تتغير أوجه اللعبة السياسية، ويتوقف هذا الصراع الشرس، ليحل مكانه المنافسة الشريفة من أجل تقديم الافضل للبلد وشعبه».
أضاف: فليتفضل الجميع ويقدموا التنازلات، لبنان يستأهل، والشعب اللبناني يستأهل ان يعيش في اجواء مريحة وليس في رعب دائم. الشعب اللبناني تعب ومن واجب القوى السياسية العمل على إراحته وتلبية كل وعودها له في زمن الانتخابات. من واجب القوى السياسية توفير سبل العيش الكريم وكل الخدمات التي تحسن مستوى حياة اللبنانيين وان توفر كل الظروف التي تفتح آفاق العمل والانتاج والإبداع. من واجب القوى السياسية ان تعمل على تحفيز الاقتصاد وتوفير مناخ ملائم للاعمال لزيادة تنافسية لبنان وخلق فرص عمل للشباب والشابات. من واجب القوى السياسية وضع حد للهدر والفساد والتجاوزات والتعديات على الانسان والبيئة والطبيعة.
وقال «وعدونا قبل الانتخابات بالمن والسلوى، وزايدوا علينا كثيرا.. ونحن ننتظر ان يفوا بوعودهم، ننتظر ان يشكلوا الحكومة فورا وان يبدأوا بورشة الاصلاحات المالية والادارية والقطاعية، وان يطلقوا العنان للحكومة الالكترونية وللعمل المؤسساتي، وان يحدثوا القوانين وان يذهبوا سريعاً لتنفيذ مؤتمر سيدر، ولإكمال مشوار النفط والغاز وغيرها». أضاف «حذارِ الوقت يداهمنا.. والهوامش تضيق.. والخوف بات على الكيان».
وختم شقير «لم نسكت من قبل، ولن نسكت لا اليوم ولا غداً، فلا تدفعونا الى التصعيد واتخاذ خطوات غير مستحبة لدينا».
الأسمر
وألقى رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر كلمة قال فيها «ينتفض الاتحاد العمالي العام ويقول مع كل الهيئات الاقتصادية والمهن الحرة والشخصيات المجتمعة هنا نعم لتأليف الحكومة فوراً ودون أي إبطاء، نعم لحكومة أكفاء وخبراء، حكومة الشخص المناسب في المكان المناسب بعيداً عن المحاصصة والتبعية والشروط بعيداً عن اهتراء متراكم عمره سنوات».
وخاطب المسؤولين قائلاً: يجب عليكم أيها المعنيون أن تبادروا فوراً إلى تشكيل هذه الحكومة لتواكب نجاح الجيش والأجهزة الأمنية ولتكون باباً إلى النعم:
– نعم لمعالجة اقتصادية فورية وضمن خطة إنقاذ مستقبلية تضمن النفط والغاز لأجيال المستقبل.
– نعم لدولة إصلاح المؤسسات بعيداً عن الفساد والسمسرات، دولة القضاء والأجهزة الرقابية بعيداً عن التهرّب الضريبي.
– نعم للكهرباء والماء والاتصالات والبيئة والنقل والحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والجامعة اللبنانية والمستشفيات الحكومية والسياحة.
– نعم للقروض السكنية للفقراء وذوي الدخل المحدود، نعم للزراعة، نعم للاقتصاد الإنتاجي البنيوي البعيد عن الريوعات، نعم لمراجعة الاتفاقيات ولصياغة اتفاقيات تحمي إنتاج وصناعة لبنان، نعم للانفتاح والتعاون مع الأشقاء بما يحفظ مصلحة لبنان العليا، نعم لوقف التهريب وفتح المعابر للتصدير، نعم لإعادة النازحين وفق المبادرات المطروحة، نعم للحوار الاجتماعي وإنصاف العمال والكادحين والفقراء وزيادة الأجور وفق المؤشر السنوي للغلاء. نعم لسياسة ضريبية عادلة.
ثم القى نقيب المهندسين جاد تابت كلمة قال فيها «الازمة تتجلى في الجمود الذي يصيب قطاع البناء إذ تشير إحصاءات نقابة المهندسين أن مساحات رخص البناء المسجلة في النقابة خلال الأشهر الست الماضية قد تدنّت بنسبة 28% عما كانت عليه في الفترة نفسها من السنة الماضية. كما تشير الإحصاءات أن مساحات رخص البناء في محافظة بيروت وحدها لم تتعدَّ 20% مما كانت عليه في نفس الفترة من السنة الماضية».
واضاف «هذا الوضع المأساوي، إن دلّ على شيء، فهو يدل على تفاقم الأزمة العامة في البلاد إذ أن قطاع البناء يعدّ من أهم القطاعات الاقتصادية في لبنان، يمثّل حوالي 14% من إجمالي النتاج المحلي ويشغّل حوالي 11% من اليد العاملة اللبنانية. هذا بالإضافة إلى انحسار الأسواق العربية واغلاق قسم منها أمام اليد العاملة اللبنانية».
واعتبر تابت ان «نتيجة ذلك، تتزايد البطالة بنسب لم يشهدها لبنان من قبل وتطاول بشكل خاص الأجيال الجديدة التي لم تعد تستطيع إيجاد فرص عمل لها فتعاني من انعدام الأفق وفقدان الامل بمستقبل لبنان».
وقال: «أمام هذا الواقع الأليم، لا يمكن أن تستمر القيادات السياسية في الالتهاء بالجدال البيزنطي حول توزيع الحصص والمنافع فيما بينها في الوقت الذي تعاني فيه كافة القطاعات الاقتصادية وأوسع الفئات الشعبية من تداعيات الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم».
وأكد ان «البلاد هي اليوم في مهّب الريح مما يتطلب اعلان النفير العام من أجل اتخاذ خطوات جريئة لوقف التدهور ومكافحة الإهدار والفساد وإلا فإن السفينة ستغرق بالجميع».
عسيران
وألقى رئيس المجلس الوطني للاقتصاديين اللبنانيين صلاح عسيران كلمة رأى فيها ان «الفساد هو أحد اهم العوامل التي تضرب قيام لا بل وجود الدولة، ومنه يتفرع معظم مصائبنا من عجز وبطالة فادحة، ونفايات ومشكلة كهرباء ، وأعلى نسب السرطان وباقي الامراض وغيرها مما لا نعرفه».
وطالب «السياسيين بأن يستفيقوا من سباتهم،لان اللعبة تغيرت لا بل انتهت فالبلد وقع، وعليهم ان يتنازلوا عن عنادهم وان لا يختبئ كل فريق ويتمترس تحت شعارات خشبية ليبرر عناده في عدم تشكيل الحكومة بان يقول «لا استطيع التنازل الان لأن طلباتنا هي تأسيسية لما بعد» هذه سياسات عقيمة كمعظم السياسات التي سيرت البلد».
وقال «شعبنا وعمالنا ومؤسساتنا مظلومون لا فرص عمل ولا رؤية اقتصادية مع انه حتى الان لدينا في لبنان امكانات ومقدرات كبيرة تسمح لنا بالخروج من هذا النفق الاسود ولكن ليس بهذه العقلية المتحكمة الى الان». مشددا على ان «علينا انتاج اقتصاد حديث يلبي حاجات وطاقات شبابنا ومجتمعنا، نحن قادرون على النهوض وعلى السياسيين مواكبة هذه الصرخة».
الوثيقة
وفي نهاية اللقاء أعلن رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد الوثيقة الصادرة عن قوى الإنتاج المجتمعة، وفيها: «تلتقي اليوم (أمس) قوى الانتاج، وقاسَمها المشترك: لبنانيّتها.. همُّها تفادي أزمة اقتصاديّة.. لتدارُكِ كارثة اجتماعيّة في وطنها. تلتقي لتنقلَ واقعَنا الاقتصاديّ الآخذَ في التداعي إلى حدّ فقدان التحكّم بآليّة تأمين أبسط الحقوق المعيشية في أسس البنية المجتمعية لأن الترهُّل أصاب جسم الإدارة وعين الرقابة وبصيرة السلطة. لذلك أتت تطلق صرخة تحذير هي وليدة تراكمِ أيام وشهور وأكثر…. لسنين.
فالأمل بحياة عاديَّة طبيعيَّة يوميَّة معيشيّا اقتصاديا واجتماعيّا يكاد يتلاشى لولا عزمُها على الاستمرار في حصد ثمار الحياة بوجه التمادي في سياسة زرع اليأس. وحتّى لا يزول الأملُ ويتعطّل العمل في المرافق الرسميّة، وتتخدّر المشاريع في الأدراج والمكاتب، وتتفاقم البِطالة في البيوت والشوارع، أتينا نطلق من حناجر القلوب، من قلق العيون، ومن فراغ الجيوب صرخة واحدة لا يختلف فيها صوتُ صاحب العمل عن الموظف، والموظّف عن النقابيّ في أيّ نقابة ومهنة حرّة… كلهم، كلنا أتينا نقول: لا تجعلوا الاقتصاد تجاذبًا سياسيّا في بلدنا ولا تضحّوا بالمصالح الجماعية الوطنية لتحقيق مكاسب فئويّة آنيّة.. إنه التهاونُ المؤدّي الى الهوان، بل التهاون المنعكس تهاودًا في دورة الاقتصاد، وترنّحا في مسيرة البلاد…».
واضاف معدوّ الوثيقة «إننا نأبى سقوط الدولة في لعبة الوقت، والتلهي عن زمن الناس بالانصراف الى زمن الملل السياسي.. فلا ننفّذ الخطط الاقتصادية المرسومة، ولا نعالج الاوضاع المعيشية المأزومة، ولا نُعنى بفقدان شبابنا الباحثين عن فرص بديلة. فالسياسة أثبتت ان بينها والمواطنين فجوة».
وقالوا: «ها نحن بوقفتنا التحذيرية نطلق وثيقة موحدة موقّعة باسم مَن خفتت أصواتُهم، ونودّها نداء أعلى من الخطابات والنزاعات في عدّ الحقائب حتى لا يعض المواطنون الاصابع في الغد القريب لوكالة منحوها لممثليهم بالأمس القريب…».
وطالبت قوى الانتاج: عمال، أصحاب عمل، ومهن حرة بالآتي:
-الذهاب فوراً الى تشكيل حكومة جامعة ونوعية وذات صدقية.
-البدء بالاصلاحات المالية والادارية والقطاعية.
-الشروع بمكافحة واستئصال الفساد وإعتباره أولوية وقضية وطنية.
-اتخاذ قرار حازم بوقف الهدر وشدّ أحزمة مختلف مؤسسات الدولة.
-العمل على عودة سريعة وكريمة للنازحين السوريين.
-إطلاق مسارات تنفيذ برنامج تطوير البنى التحتية الذي اقره مؤتمر سيدر، وإقرار وبدء تنفيذ خطة النهوض القطاعية الواردة في مشروع رؤية لبنان الاقتصادية، وإطلاق حوار مسؤول ينتج ميثاقاً اجتماعياً حديثاً.
-صياغة سياسة بيئية تحافظ على الموارد البيئية وترمم ما أصابها من دمار.
-بقاء قوى الانتاج صفاً واحداً لإعلاء صوت الحق».
وخلصت الوثيقة الى القول: «أسمعناكم وجعنا لنداويَ معكم واقعنا.. والوقت قد يمسي بلحظة وراءكم ووراءنا.. فتعالوا ننهض صوب الضوء باقتصادنا لنمحوَ عتم جموده في بلدنا…».