كتب المحرر الاقتصادي :
كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن أزمة نقدية أوحت بقرب حدوث انهيار في الليرة اللبنانية، مع تصويب السهام على سياسة حاكمية مصرف لبنان من دون أن تصيبها، كونها تتسلّح بسياسة نقدية متينة تحصد ثقة دولية كما محلية، أثبتت نجاحها التقلبات والظروف الحَرِجة والصعبة التي مرّ بها لبنان عبر السنوات.
رئيس قسم الأبحاث والدراسات الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس نسيب غبريل استغرب الكلام عن انهيار مالي في لبنان، معتبراً أنه يفتقد إلى الدقة والأرقام، ووضعه في خانة «التهويل المتعمَّد لإخافة الناس لا أكثر».
وطمأن في حديث إلى «الشرق»، إلى أن «البلد غير مفلس فالمالية العامة مستقرة وبالتالي يبقى لبنان بعيداً من سيناريو اليونان»، وعزا ذلك إلى الأسباب الآتية:
– الدين العام: على الرغم أنه لامس الـ82 مليار دولار لكنه موزّع على:
* 63 في المئة منه بالليرة اللبنانية حتى آخر آذار 2018، إذ يحمل مصرف لبنان 52،5 في المئة تقريباً من سندات الخزينة، أما المصارف التجارية فـ33،5 في المئة. وصندوق الضمان الاجتماعي والمؤسسات المالية المحلية واللبنانيون يحملون النسبة المتبقية تصل تقريباً إلى 14 في المئة.
* 28 مليار دولار من الدين بالعملة الأجنبية هي سندات «يوروبوند»، وما تبقى قروض ميسّرة لا تُعتبر دين سوق. وهناك 14 مليار دولار من الرقم المذكور، تحمله المصارف التجارية، و5 مليارات دولار مصرف لبنان. يبقى مبلغ 9 مليارات دولار تحمله المؤسسات الاستثمارية الخارجية الأجنبية.
أضاف: من هنا إن 7 في المئة فقط من الدين العام محمولة خارجياً وقد تتأثر بالتطورات الدولية كرفع الفائدة في الولايات المتحدة وخروج الأموال من الأسواق الناشئة. وإذا افترضنا نظرياً أن قرر حاملو سندات اليوروبوند الأجانب بيع كامل قيمة الـ9 مليارات دولار من الـ»يوروبوندز» بشكل مفاجئ، فالمصارف التجارية تحمل ما يفوق الـ10 مليارات دولار سيولة جاهزة بالعملات الأجنبية مع المصارف المراسلة، كما أن للمصارف التجارية ودائع بالعملات الأجنبية في البنك المركزي اللبناني، كذلك لمصرف لبنان سيولته الخاصة بالعملات الأجنبية، ووزارة المال بدورها لديها فائض في حسابها في البنك المركزي.
أضاف: لذلك لا يمكن مقارنة لبنان بأي شكل من الأشكال مع اليونان أو الأرجنتين وحتى مع تركيا، إذ أن دين اليونان محمول كلياً من الخارج، ثم هناك قسم من دينها العام لم يكن مدرجاً في أرقام العجز داخل الموازنة العامة أي الحجم الحقيقي للدين، كما ليس لدى اليونان سياسة نقدية محلية بل عملتها باليورو ويتحكم بها المصرف المركزي الأوروبي».
لكن غبريل لفت «إلى أن هذه الوقائع لا تعني أن لبنان لا يواجه تحديات «خفض حاجات الدولة إلى الاستدانة من خلال خفض العجز في الموازنة لفترة مستدامة. وهذا يحصل من خلال الإصلاحات، عبر خفض النفقات في القطاع العام من جهة، ومن جهة أخرى تحسين الواردات من دون فرض ضرائب ورسوم جديدة، أو زيادة أخرى موجودة. كل ذلك يتحقق مع إرادة سياسية جامعة. وهذا ما ينتظره المجتمع الدولي من لبنان».
وقال: أما الكلام عن انهيار الليرة اللبنانية فلا أساس له من الصحة، إن الليرة ثابتة أمام الدولار الأميركي وتثبيت سعرها لا يتعرّض لأي ضغط، كما أن الطلب على الدولار الأميركي طبيعي في السوق، ويملك مصرف لبنان الإمكانات اللازمة لدعم استقرار سعر صرف الليرة، كذلك لا خروج للودائع من لبنان بشكل قاطع»، وقال: على سبيل المثال، ارتفعت الودائع في القطاع المصرفي 2 مليار و100 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وهي الأعلى منذ العام 2013.
وزني: لا أزمة نقدية
بدوره، أكد الخبير المالي والاقتصادي غازي وزني عبر «الشرق»، أن «الليرة اللبنانية اليوم مستقرة وقوية باعتراف صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية التي تعتبر أن السياسة النقدية المتّبعة في لبنان، واقعية وتتطابق مع الأوضاع الاقتصادية والمالية، وهي تبدي كل الدعم والتأييد لهذه السياسة».
لكنه لفت إلى أن «الوضع الاقتصادي والمالي صعب جداً، ولم تعد الحكومات قادرة على متابعة السياسات الاقتصادية والمالية السابقة، بل يفترض إعادة النظر فيها وتغييرها»، وشدد على ضرورة «الإسراع في تأليف حكومة وطنية جامعة ومتجانسة قادرة على القيام بإصلاحات باتت ضرورية ومستعجلة، أما التأخير في التشكيل فسيفاقم الوضع الاقتصادي والمالي ويجعل لبنان أكثر اتجاهاً إلى الانهيار الفعلي والحقيقي، عندها تتحمّل القوى السياسية مسؤولية هذا الانهيار».
إذ في مقابل الإيجابية على المستوى النقدي، أعلن وزني أن «المشلكة التي تواجه لبنان وتهدّده اليوم، تكمن في الوضعين الاقتصادي والمالي، وهي تطاول غالبية القطاعات الاقتصادية وظهرت بوادرها أخيراً في القطاع العقاري إلى جانب تأزّم الوضع التجاري، إضافة إلى الوضع السلبي والمقلق والمتفاقم للمالية العامة للدولة، حيث قارب العجز الـ10% من الناتج المحلي، والدين العام سيفوق الـ150% من الناتج عام 2018، حيث سيتجاوز الـ85 مليار دولار في نهاية العام.
وتابع: إن سلبيات الوضع الاقتصادي والمالية العامة هي التي تجعل المؤسسات المالية الدولية وصندوق النقد، تُظهِر في تقاريرها المحاذير والمخاوف والهواجس، وليس الوضع النقدي الذي يتمتع بالاستقرار، وبالتالي لا خوف على الليرة اللبنانية في المدى المنظور.
وعزا قوة الليرة وثباتها واستقرارها إلى العوامل الآتية:
– سبق ومرّ لبنان في تجارب سابقة أخطر بكثير من الوضع الراهن واستطاع تجاوزها، وهذا يعود إلى احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية التي لا تزال مستقرة وقوية ومتنامية، إذ تبلغ حالياً 45 مليار دولار.
– نمو القطاع المصرفي تجاوز الـ6 في المئة في العام 2018 مقارنةً بـ3،85 في المئة عام 2017.
– لا يزال مصرف لبنان قادراً على تنفيذ كل استحقاقات الدولة بالعملات الأجنبية، وهو قد أمّن كل استحقاقات العام الجاري كاملاً.
– لا يزال لدى البنك المركزي كل الإمكانات المطلوبة للقيام بهندسات مالية عند أي صعوبة قد تطرأ.
– الثقة بحاكم مصرف لبنان والاعتراف الدولي به، وثقة المؤسسات المالية الدولية بشخصه. والدليل إلى ذلك الإصدار الأخير لسندات الـ»يوروبوند» الذي تم بشكل سريع جداً.