كتب المحرر الاقتصادي:
أعلن مصرف لبنان الأسبوع الفائت بيع سندات «يوروبوند» من محفظته بقيمة 3,022 مليارات دولار، تُدفع بتاريخ 30 أيار الجاري، وهو إصدار محلي كون السندات التي تم استبدالها بـ»يوروبوند» جديدة، قد استحقت في الوقت الراهن.
العملية اقتصرت على استبدال «يوروبوند» بقيمة 2 مليار و324 مليون دولار تستحق خلال العام الجاري تضاف إليها فوائد للعملات الأجنبية، بإصدار سندات «يوروبوند» جديدة بقيمة 3 مليارات دولار. وهذه العملية، وفق خبراء الاقتصاد، لا تعزّز احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية من جهة، ومن جهة أخرى إن عملية الاستبدال الثانية تعطي المصارف حوافز جديدة في ما يتعلق بمعدلات الفوائد التي تتراوح بين 7 و8،15 في المئة، في مقابل 6،75 و7،15 في المئة في الإصدار السابق».
إلى ذلك، نجح مصرف لبنان في الاختبارات التي واجهها بالمحافظة على الثبات النقدي، إذ بحسب الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، يواجه البنك المركزي اليوم ثلاثة تحدّيات تتمثلّ في ارتفاع أسعار الفوائد العالمية، ارتفاع أسعار النفط والعقوبات على «حزب الله».
وعن الطرق التي سيستخدمها لتخطّي هذه التحديات، ذكّر عجاقة في حديث إلى «الشرق»، بأن «حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صرّح بعد لقائه رئيس الجمهورية بتاريخ 17 أيار 2018 أن «الليرة اللبنانية مستقرّة ونبحث في السبل الأفضل لمعالجة ارتفاع أسعار الفوائد العالمية وأسعار النفط». هذا التصريح المُقتضب يحوي على كمّ من المعلومات والتحديات التي يواجهها مصرف لبنان في مهمته». أضاف: يُعتبر نمو الودائع في المصارف اللبنانية مؤشّراً أساسياً على نجاح السياسة النقدية المُتّبعة من قبل مصرف لبنان. وأحد عوامل نجاح استمرار نمو الودائع في المصارف اللبنانية بقاء سياسة الفائدة التي يتّبعها مصرف لبنان والتي تُعتبر أعلى من نظيراتها الأميركية والأوروبية، لكنّها أدنى من نظيراتها في الدول التي تتمتّع بالتصنيف الائتماني ذاته للبنان.
أضاف: إن ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا يطرح مشكلة تكمن في أن أيّ رفع للفوائد في لبنان قد يؤدّي إلى لجم الاستثمارات، إلا أن الحقيقة على الأرض مُختلفة على صعيدين:
– الأول: ضعف الاستثمارات في لبنان حتى حين كانت أسعار الفائدة أقلّ مما هي اليوم.
– الثاني: إن رفع الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية والتي تُعتبر المحرّك الأساسي للفوائد في العالم نظرًا إلى أنها المركز المالي الأول، لن يتخطّى الواحد إلى الواحد ونصف في المئة في الأعوام المقبلة بحكم أن الاقتصاد الأميركي لم يُظهر عافيته الكاملة حتى الساعة. كما أن ارتفاع أسعار النفط سيُشكّل بدون أدنى شكّ عامل لجم لنمو الاقتصاد الأميركي، وبالتالي فإن مصرف لبنان سيجد نفسه أمام عملية «دوزنة» لأسعار الفائدة، ولن تكون هناك ضرورة لزعزعة الاقتصاد من خلال رفع الفائدة بمعدّل كبير، وتبقى الصعوبة في إيجاد المستوى المناسب.
ارتفاع أسعار النفط
وعن الارتفاع المطرد لسعر برميل النفط العالمي، قال: من المعلوم أن ارتفاع أسعار النفط يؤدّي إلى رفع الأسعار، وإذا أصبح الأول مُزمنًا فسيؤدّي حتمًا إلى رفع التضخم الذي ينعكس على الاقتصاد اللبناني في حالته الراهنة:
– أولاً: هناك حاجة إلى بعض التضخم حيث لا يمكن الحصول على نمو اقتصادي بدون مستوى تضخم مناسب. وبالنظر إلى التضخم اليوم، نرى أن مستوياته تتحمّل المزيد من التضخم نظرًا إلى أن المستوى الحالي يبقى في حدود الـ 2.5%. وهذا يعني أن نسبة تضخم في حدود الـ 3% مؤاتية للنمو الاقتصادي.
– ثانياً: التضخم سيؤدّي إلى ضغوطات على سعر صرف الليرة اللبنانية، ما يعني أن على مصرف لبنان التدخّل لامتصاص هذه الضغوطات، إلا أن دوزنة أسعار الفائدة في لبنان، ستكون كافية لامتصاصها، وبالتالي يبقى على مصرف لبنان إيجاد المستوى الملائم لأسعار الفائدة بشكل يسمح باستيعاب تأثير رفع الفائدة عالميًا وتأثير ارتفاع أسعار النفط.
العقوبات على «حزب الله»…
أما عن العقوبات الاقتصادية على «حزب الله»، فأوضح عجاقة أنها «عقوبات سياسية قبل كل شيء، وطالما يلتزم مصرف لبنان تطبيق هذه العقوبات، فلن يكون هناك من تداعيات اقتصادية ومالية»، ولفت إلى أن «المشكلة تبقى في عملية التطبيق التي ستؤثر حكمًا على فترة إنجاز العمليات الاقتصادية والمالية وعلى تنفيذ مشاريع «سادر».
أضاف: إلا أن الأخطر يبقى في إدخال أسماء جديدة لها وزن اقتصادي ومالي على لائحة العقوبات وهذا الأمر ستكون له تداعيات اقتصادية ومالية حقيقية، خصوصًا على صعيد تحويلات المغتربين، والتبادل التجاري بين لبنان والعالم.
وعن مدى قدرة مصرف لبنان على مواجهة تداعيات هذه العقوبات، قال: إن التزام البنك المركزي تطبيق هذه العقوبات يحمي القطاع المصرفي من دون أدنى شكّ. لكن هذا الأمر غير كافٍ، إذ أن فتح الاعتمادات في المصارف بهدف التجارة الدولية سيكون عرضة لتدقيق أكبر من قِبل الولايات المتحدة الأميركية، إلا إذا أخذ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على عاتقه هذه المهمّة نظرًا إلى ثقة المجتمع الدولي به. وهناك أيضًا تدقيق في التحويلات من الخارج إلى لبنان، وهذا الأمر سيطاول تحويلات المغتربين، وهنا قد يكون لمصرف لبنان دور على هذا الصعيد لجهة تسهيلها.
أضاف: لذلك، في استطاعة مصرف لبنان امتصاص مفاعيل آلية التطبيق الأميركية، ولكنّها تتطلّب آلية واضحة من قبل البنك المركزي ويُلزم بها المصارف التجارية.
وختم عجاقة بأن «التحدّيات المذكورة لا تخصّ مصرف لبنان وحده، بل الحكومة اللبنانية أيضاً، لذلك على هذه الأخيرة أن تعمد إلى تنفيذ إجرائين أساسيّين:
– الأول: مساعدة مصرف لبنان في الشق الاقتصادي، من خلال البدء بالإصلاحات الاقتصادية والمالية والتي ستُساعد البنك المركزي في سياسته النقدية التي تخدم الاقتصاد اللبناني.
– الثاني: إعفاء مصرف لبنان من الشق السياسي من قانون العقوبات على «حزب الله»، وأن يكون بالتالي على عاتق الحكومة.