شدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على «ان ساعة الحساب مع الفساد قد حانت، فلا تهاون مع تحقيق المكاسب غير المشروعة من طريق مخالفة القواعد الأخلاقية والقوانين والتعدي على حقوق الدولة». واكد
الحرص على «إيجاد الحلول الضرورية لازمة النازحين، آملين من المجتمعين العربي والدولي مساعدتنا على تحقيق هذا الهدف، ومساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم في أقرب وقت».
مواقف الرئيس عون جاءت خلال افتتاحه الدورة الوزارية الثلاثين للاسكوا التي انعقدت، قبل ظهر أمس في مقر «الاسكوا» في بيروت، وتستمر أعمالها يومين بعنوان «التكنولوجيا من اجل التنمية المستدامة في المنطقة العربية واستحداث فرص العمل اللائق وتمكين الشباب في البلدان العربية»، في حضور وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل، الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، وكيل الامين العام للامم المتحدة والامين التنفيذي للاسكوا محمد علي الحكيم، وممثلي وفود الدول المنضوية في «الاسكوا» وسفراء دول عربية واجنبية.
وقال: «تزورون مقر «الاسكوا» اليوم وتتزامن مع زيارتكم عودة الدورة الوزارية بعدما تغربت عن دولة المقر لفترتين متتاليتين. قرار اتخذه الدكتور محمد علي الحكيم، وكيل الامين العام للامم المتحدة والامين التنفيذي للاسكوا، باستعادة مؤتمراتها الى بيروت لان هذه المدينة، على حد تعبيره، هي الحاضنة الفكرية والثقافية المثلى التي تتفاعل فيها «الاسكوا» مع نفسها ومع العالم العربي والعالم».
والقى كلمة دولة قطر التي ترأست الدورة التاسعة والعشرين الامين العام لوزارة خارجيتها احمد بن حسن الحمادي قال فيها:» (…) «في عصرنا الحاضر، الذي تحدد فيه التكنولوجيات القدرات التنافسية وتؤدي دورا مهما في التنمية المستدامة، يمكننا تسخير الامكانات الهائلة التي توفرها تقنية المعلومات من اجل تحقيق تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية وبيئية، ويكون ذلك بالتركيز على انشطة البحث والتطوير لتعزيز تكنولوجيا المواد الجديدة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيات الحيوية واعتماد الاليات التكنولوجية القابلة للاستدامة. ويمكن تحسين اداء المؤسسات الخاصة من خلال مدخلات معينة مستندة الى التكنولوجيات الحديثة، فضلا عن استحداث انماط مؤسسية جديدة تشمل مدنا وحاضنات للتكنولوجيا».
وأضاف: «ايضا يمكننا استخدام التكنولوجيا في تعزيز بناء القدرات في العلوم والتكنولوجيا والابتكار، بهدف تحقيق اهداف التنمية المستدامة في الاقتصاد القائم على المعرفة لا سيما ان بناء القدرات هو الوسيلة الوحيدة لتعزيز التنافسية وزيادة النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل جديدة وتقليص معدلات الفقر. ويمكن وضع الخطط والبرامج التي تهدف الى تحويل المجتمع الى مجتمع معلوماتي، بحيث يتم ادماج التكنولوجيات الجديدة في خطط واستراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية واعداد سياسات وطنية للابتكار واستراتيجيات جديدة للتكنولوجيا مع التركيز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وذلك يتطلب تشجيع الابتكار وتبادل افضل الممارسات والحلول الانمائية الناجحة والمختبرة، وابتداع الآليات المناسبة للرصد والمتابعة والتقويم اثناء التنفيذ بما يقلل التكاليف ويضمن الوصول الى النتائج المرجوة».
ثم كانت كلمة للجمهورية التونسية الدولة التي تترأس الدورة الثلاثين القاها الوزير لدى رئيس الحكومة التونسية لمتابعة الاصلاحات توفيق الراجحي، اكد فيها: «أننا على يقين أن قدرة البلدان العربية على تحقيق التنمية المستدامة مرتبطة إلى حد كبير بقدرتها على تطوير التكنولوجيات الواعدة ونقلها وتكييفها والتحكم فيها وإدارتها من أجل زيادة إنتاجية القطاعات المختلفة».
وأضاف: «إن تونس التي نجحت في الانتقال الديموقراطي وتكريس الدولة المدنية الحديثة، تسعى الى استجابة لتطلعات شعبها في التنمية الإجتماعية والإقتصادية العادلة والمستدامة. وهي تؤمن في ذلك بدور الإقتصاد الرقمي والتكنولوجيا في رفع التحديات الإقتصادية والإجتماعية وبناء مجتمع المعرفة».
وتابع: «لذلك تعمل الحكومة التونسية على إرساء مجتمع جديد قوامه تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي ويشمل كل الفئات والجهات ويضمن حق المواطن في التواصل عبر شبكات المعلومات وحقه في الخلق والإبداع من خلال تمكينه من التعلم والمعرفة الحديثة وحثه على الأنشطة ذات المحتوى المعرفي المرتفع في مختلف المجالات».
وأضاف: «وترمي الخطة الإستراتيجية لتطوير قطاع تكنولوجيات الإتصال والإقتصاد الرقمي التي اعتمدناها في إطار المخطط الخماسي للتنمية الإقتصادية والإجتماعية 2016 -2020، إلى خلق حوالي 80 ألف فرصة عمل قبل نهاية 2020 وضمان تكافؤ الفرص عبر الإندماج الإجتماعي ومحو الفجوة الرقمية للحد من فوارق بين الفئات وضمان المساواة بين الجهات إضافة إلى ضمان تموقع تونس في الاقتصاد الدولي ومساهمتها في العالم الرقمي الجديد».
وقال أبو الغيط في كلمته انه: «في ظل الظروف والتحديات الكبيرة والمتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية خلال المرحلة الحالية والتطور التكنولوجي السريع والهائل الذي يشهده العالم، خصوصا في مجالي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يمثل موضوع نقاش هذه الدورة الوزارية «التكنولوجيا من اجل التنمية المستدامة في المنطقة العربية» اهمية محورية وركيزة اساسية من ركائز العمل في مجال التنمية المستدامة، بحيث تساهم التكنولوجيا والبحث العلمي والابتكار في تحقيق التنمية المستدامة المنشودة، وخصوصا عندما تستخدم وسيلة لتنمية قدرات الانسان وعنصرا جوهريا لتغيير المجتمعات من طريق توفير الادوات والوسائل الضرورية لوضع الاطر الوطنية».
واضاف أن «هذا التوجه يأتي متماشيا مع الاهتمام الذي توليه الدول العربية للتوطين ونقل التكنولوجيا، في ضوء كونها عملية ضرورية لتأمين بيئة صحية للعمل ولتوفير فرص عمل للشباب للحد من البطالة، وايضا لتعزيز وتيرة التقدم نحو تحقيق خطة 2030 والاسراع فيها، وتلبية الحاجات الخاصة لمختلف الدولة، وخصوصا الدول الاقل نموا، مع الاخذ في الاعتبار ان الهدف السابع عشر من اهداف التنمية المستدامة 2030 يركز على تعزيز التكنولوجيا وتطويرها ونقلها ونشرها». وأكد ان «الامر يتطلب العمل، في هذا الصدد، بجدية من اجل ايجاد طرق جديدة ومبتكرة للتمويل المستدام، مع تغيير فلسفة الفكر المالي والمصرفي، والتشبيك في هذا الخصوص بين المال والمجتمع والبيئة، وتعزيز المشاركة بين اصحاب المصلحة المتعددين لجمع المعارف والتكنولوجيا والموارد المالية وتقاسمها، وذلك بهدف تحقيق اهداف التنمية المستدامة في جميع الدول لاسيما في الدول البنامية والدول الاقل نموا، وهذا ماتقوم الامانة العامة بدراسته في الوقت الحالي تمهيدا للخروج بمبادرة تطرح على القمة التنموية التي ستعقد هنا في بيروت اوائل العام المقبل».
ولفت الى ان «جامعة الدول العربية بادرت ومن خلال اللجنة العربية للتنمية المستدامة، بتقديم مقترح لانشاء «الشبكة العربية للعلوم والتكنولوجيا من اجل التنمية المستدامة»، والتي تهدف الى المساهمة في تعزيز اليات التعاون في مجالات العلوم والمعرفة والتكنولوجيا من اجل تحقيق اهداف التنمية المستدامة، بالتعاون مع المنظمات الاقليمية والدولية المعنية».
من جهته قال الحكيم ان: «الشباب العربي اليوم هو شباب متألق ومتألم في آن واحد. متألق بأفكاره وطموحاته ومتألم في انتظاره لفرص العمل اللائق التي توفر له العيش الكريم. ولن يتأتى هذا إلا من خلال فتح المجال للقطاع الخاص. فالقطاع الحكومي في الدول العربية بات كبيرا بدرجة غير مسبوقة ومترهلا بصورة غير مقبولة. وبالتالي يجب إعطاء الشباب مساحة أكبر للعمل في القطاع الخاص، فيطوروا هذا القطاع ويتطورون معه. وهذه مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الحكومات والقطاع والخاص معا. فالدولة مطالبة بإزالة القيود والتعقيدات والقوانين الصعبة التي تعيق تطوير القطاع الخاص وإتاحة المرونة اللازمة لإنشاء الأعمال الرائدة ودعمها. وعلى القطاع الخاص أن يبني روابط وثيقة مع الجامعات ومراكز البحوث لتشكل مخرجاتها نتائج عملية لخدمة التنمية».
واشار: إلى أن «النساء العربيات، يواجهن صعوبات تفرضها أنظمة تمييزية تحبط قدرتهن على المساهمة الفعلية في الاقتصاد. فلا يمكن تفعيل نهضة حقيقية في مجتمعاتنا العربية إلا بتمكين النساء من التخصص في المجالات كافة ودخولهن الممنهج في سوق العمل. وقطاع التكنولوجيا يمثل حالة صارخة للمشاركة المحدودة للنساء في الحياة الاقتصادية والتي ينبغي التعامل معها بدرجة كبيرة من الإلحاح».
وتابع: «إن الرسالة التي ترغب الأمم المتحدة في توجيهها اليوم إلى جميع المعنيين، هي دعوة صريحة إلى تبني التكنولوجيا والابتكار في خدمة التنمية البشرية، وليس الاستثمار في التكنولوجيا من أجل التكنولوجيا. هذا هو الهدف الأساسي من التكنولوجيا، أن تكون في خدمة الإنسان والتنمية البشرية والمستدامة في الدول العربية. وكل جهود التنمية يجب أن تصب في الإنسان وترتبط به».
وألقى الرئيس عون كلمة الختام، فقال انه « يمكن إهمال التكنولوجيا ودورها في مسيرة التنمية في منطقتنا العربية. ليست التكنولوجيا في عصرنا ترفا، أو نشاطا منفصلا عن التنمية والحياة الاقتصادية، بل هي لاعب رئيسي في التطور الاقتصادي والاجتماعي على مستوى العالم بأسره، في البلدان الغنية كما في البلدان الفقيرة أو الدول ذات الدخل المتوسط. ولبنان يدرك أهمية التكنولوجيا ودورها في البناء الاقتصادي، لذلك فهو يعول عليها كثيرا في البرامج التي ننوي صوغها وتنفيذها في المرحلة الزمنية المقبلة، في إطار التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، الذي نعتبره ممرا إلزاميا للخروج من ظروفنا الاقتصادية الراهنة. وهذا التخطيط هو أيضا تمهيد لا غنى عنه لبناء مستقبل زاهر للأجيال المقبلة من اللبنانيين».
واوضح «ان التنمية المستدامة تهدف إلى إنقاذ المجتمعات من مشاكلها الراهنة، الفقر والجوع والأمية والمرض، وفي الوقت نفسه توفير حياة كريمة للأجيال المقبلة». وقال: «نحن في لبنان نعيش تحديات مشابهة تماما لتحديات التنمية المستدامة، من حيث ضرورة معالجة مشاكل الحاضر والاستعداد لمتطلبات المستقبل. فنحن مصممون على مجابهة الأزمات المتراكمة التي بدأت بالظهور قبل نصف قرن من الزمن واستمرت مدى سنوات وعقود، فانعكست في تراجع مستوى المعيشة والتفاوت غير المقبول بين الفئات الاجتماعية والمناطق، وانعكست خصوصا في الهوة المزمنة بين إيرادات الدولة ونفقاتها وتنامي الدين العام بشكل ينوء تحته الاقتصاد الوطني».
وتابع: «وفيما لبنان يواجه هذه الظروف الصعبة، والاستثنائية، فرض عليه أن يدفع قسطا كبيرا، يفوق إمكاناته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، في المأساة الإنسانية التي نجمت عن الحرب السورية واضطراب محيطنا الإقليمي عموما. إننا نتفهم البعد الإنساني لمعاناة النازحين، ولكنها مشكلة تفوق قدرة لبنان على تحمل أعبائها، المالية والاقتصادية والأمنية، ونحن مصممون على إيجاد الحلول الضرورية لها، آملين من المجتمعين العربي والدولي مساعدتنا على تحقيق هذا الهدف، ومساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم في أقرب وقت».
واضاف: «من جهة أخرى، وبمعزل عن المشاكل الآنية، نريد الاطمئنان إلى أننا قمنا بما يتوجب علينا لتأمين الحياة الكريمة للأجيال المقبلة من بعدنا، لذلك فقد عزمنا على مواجهة الواقع وصعابه، وقررنا اللجوء إلى التخطيط الفاعل، فوضعنا خارطة طريق تلحظ تجنيد طاقاتنا الوطنية والاستعانة بالخبرات الدولية المشهود لها، ونتوقع أن تبدأ نتائج هذا العمل بالظهور فور تشكيل الحكومة الجديدة وإنجاز بيانها الوزاري».
واوضح «ان الغاية الرئيسية من وراء هذا الجهد هي تحويل الاقتصاد اللبناني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج. وتبرز الحاجة ماسة إلى رفع مستوى المعيشة، وزيادة نسبة العمالة، واستنفار الطاقات الكامنة وغير المستعملة في الاقتصاد الوطني، لتوفير الوظائف وتحفيز النمو. ولأن طاقات الاقتصاد اللبناني ليست مستثمرة على الوجه الكامل، فإن الخطة تلحظ تحديد القطاعات المنتجة ودعمها واستغلالها».
وقال: «تلحظ برامجنا أولوية تحقيق الإصلاح المالي من طريق تحصيل كل الإيرادات المشروعة للدولة ووقف الهدر في الإنفاق وزيادة المشاريع والاستثمارات العامة. وليكن معلوما أن ساعة الحساب مع الفساد قد حانت، فلا تهاون مع تحقيق المكاسب غير المشروعة عن طريق مخالفة القواعد الأخلاقية والقوانين والتعدي على حقوق الدولة».
وشدد على انه: «من البديهي أن الدولة اللبنانية لن تسمح للأزمة أن تتفاعل وتتفاقم، ولا للاقتصاد أن ينكمش عاما بعد عام. فلا شيء ينقص لبنان لكي يحقق أفضل النتائج الاقتصادية مقارنة باقتصادات المنطقة، وكذلك اقتصادات الدول الناشئة. فلبنان يمتلك موقعا مميزا، وانفتاحا ثقافيا وتجاريا على العالم منذ القدم، ولدى أبنائه، خصوصا الشباب، أكثر من دليل على تفوقهم ونجاحهم، في بلدهم كما في العالم الرحب. وعندنا مؤسسات تعليمية مشهود لها وقطاع مالي عريق وقوي وفاعل».