كتب المحرر الاقتصادي :
أثارت صدمة «سايفكو» القلق في نفوس اللبنانيين من سقطات متتالية لأعمدة طالما شكّلت أساسات القطاع الخاص. يُقال إن في فلك السقوط القريب، مؤسسات عقارية عريقة أخرى، ومؤسسات مجوهرات تعاني هي الأخرى تعثّراً مالياً. فالركود الاقتصادي المتتالي منذ العام 2011، تاريخ بدء الحرب في سوريا، بدأ يترجم أثقاله أزمات وخنقات في قطاعات كان يفترض أن تشكّل الرافعة لاقتصاد لم يعد نموّه يخرج عن المعدلات التي تتيح دوران عجلة النشاط.
فمن الطبيعي ألا يلبي معدل 1.5% للنمو في لبنان سنويا، طموحات اللبنانيين الراغبين في الخروج من حال الضيق الإنتاجي التي بدأت تنذر بالأسوأ. والاعتماد معلّق على مؤتمر «سيدر» وأمواله، إن أجادت السلطة السياسية تطبيق الشروط الإصلاحية، إدارياً ومالياً واقتصادياً.
مصادر اقتصادية متابعة أملت عبر «الشرق»، أن ترسم الحكومة الجديدة المرتقبة برئاسة الرئيس سعد الحريري «خريطة طريق جديدة تعيد انتظام أمور الدولة والمواطن. إذ يبدو أن أوضاع القطاعات الاقتصادية غير قادرة على الصمود أكثر مما تواجهه اليوم، أي بمقدار حجم «فترة السماح» التي انتزعتها السلطة السياسية لنفسها»، وتمنت بروز «طاقات فرج يتطلع إليها اللبنانيون، لتتيح التقاط ما بقي لديهم من أنفاس. يدرك هؤلاء أن لا بحبوحة يمكن أن تعود إن لم تُشهر الدولة اللبنانية سيف محاربة الفساد والإهدار لتفرض حال تقشف طارئة، يشعر معها المواطنون بأن الدولة تشاطرهم الهموم والهواجس إياها».
شرارة الأزمة
وليس القطاع العقاري سوى عيّنة من معاناة القطاعات الاقتصادية على اختلافها ولو بنِسَب متفاوتة، إذ أثارت أزمة «سايفكو» العقارية موجة ارتباك في السوق العقارية المحلية، لتزيد هموم الراغبين في التملك هماً، خصوصاً بعد توقف القروض الإسكانية المدعومة في شهر شباط الفائت والذي انعكس تراجعاً لافتاً في حركة المبيعات العقارية في السوق اللبنانية. في حين كشفت مشكلة شركة «سايفكو» مع زبائنها والتأخر في تسليم الشقق والتخلف عن التزاماتها عن جانب آخر من الأزمة.
وفي هذا السياق، وجّه رئيس جمعية منشئي وتجار الأبنية إيلي صوما نداءً إلى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة «التدخل لحل أزمة الإسكان ومعالجتها سريعاً، لأنه لا يجوز أن يقابَل موضوع بهذا الحجم باللامبالاة من دون أي معالجة، خصوصاً أن قطاعات اقتصادية عديدة متعلقة بتجارة البناء وإذا تضرّر تأثرت كلها «Quand Le Batiment VaTout Va».
وقال في حديث إلى «الشرق» إنه قرر عقد مؤتمر صحافي قريباً، «بعد أن تتجلى بعض الأمور التي تشكّل عناصر تأزّم الوضع العقاري في المرحلة الراهنة، بفعل تعليق دعم مصرف لبنان قروضاً إسكانية جديدة من الاحتياطي الإلزامي لديه». وكشف عن وعود تلقاها بحلحلة بعض الأمور المرتبطة بالأزمة الإسكانية، وهو يُمهل تحقيقها قبل أن يعقد مؤتمره الصحافي لشرح معاناة القطاع العقاري في الوقت الراهن.
وذكّر بأن حاكم البنك المركزي رياض سلامة يعتبر أن «مهام حاكمية مصرف لبنان تأمين ثبات الوضع النقدي وليس السياسة الإسكانية التي تدخل في صلب مسؤولية الدولة اللبنانية»، لفت صوما إلى أن هذا التطوّر المتمثل في تعليق القروض، «خلق أزمة كبيرة في السوق العقارية، إذ أن تجار الشقق التي تفوق مساحتها الـ100 متر، كانوا يعوّلون على القروض الإسكانية لجذب أصحاب الدخل المتوسط لتسويق تلك الشقق وبالتالي بيعها، لكن للأسف لم يعد ذلك ممكناً مع توقف القروض، كما أن هناك كثيرين ممّن اشتروا الشقق بعدما تقدّموا بطلبات الحصول على قروض من المؤسسة العامة للإسكان، لكن الأخيرة علّقت معاملاتهم»، آملاً «لو تم تسيير معاملاتهم، ليتمكنوا من شراء الشقق»، كما تمنى «لو تم إقراض الطبقة المتوسطة وليس الميسورة، لكانت القروض كافية لتغطية الطلب».
ولفت إلى سبب آخر يعزّز مشكلة السوق العقارية، ويكمن «في ارتفاع معدلات الفائدة على القروض إذا ما استُؤنفت لتبلغ 7،50 في المئة ثم 8،30 في المئة إذا ما أضيفت إليها كلفة التأمين، الأمر الذي يحوّلها قروضاً تجارية ولا داعمة للمواطن كي يبقى في بلده وتجنيبه الهجرة».
وسأل صوما «أين وزارة الإسكان والمؤسسات الإسكانية؟ لماذا لا يتم رفد قطاع الإسكان بالدعم المالي كما هو الحال مع مؤسسة كهرباء لبنان أو مؤسسات الدولة الأخرى؟»، وتابع: فلتؤمّن الدولة قروضاً إسكانية بفوائد توفّر لها الواردات، إذ لا يجوز ترك المواطنين في هذا الوضع الذي يُضرّ بهم وبالشركات المختلفة المرتبطة بتجارة البناء».
أزمة القروض الإسكانية تنتظر القانون
وليس بعيداً اعتبر مصدر عامل في القطاع العقاري أن «الجمود في القطاع العقاري هو أحد أسباب هذا النوع من المشاكل إلى جانب القوانين التي تحتاج إلى الكثير من التطوير». ولفت إلى أن «أزمة القروض الإسكانية ستبقى على وضعها الحالي حتى صدور قانون من مجلس النواب لدعم الفائدة، وبالتالي كل عمليات استقبال الطلبات الجديدة متوقفة باستثناء الطلبات التي حصلت على موافقات مسبقة من المصارف والتي يجري العمل على إقرارها».
ورأى أن المطلوب اليوم تحديث القوانين لتتشابه مع تلك المعمول بها في فرنسا، منها على سبيل المثال يجب أن تتوفر لدى المطوّر الضمانات اللازمة لزبائنه، ومنها أن يكون لدى كاتب العدل سجل بالدوائر العقارية لتسجيل أي عقد بيع وإدراجه على الصحيفة العقارية ما يحول دون إعادة بيع العقار نفسه الى زبون آخر».
وشدد على ضرورة «إعداد قانون يُجبر المطوّر العقاري على استعمال الأموال التي يأخذها من الزبون للبناء وليس لشراء أرض أخرى».