أنجز مركز الدراسات الاقتصادية التابع لفرنسَبنك دراسة حديثة تحمل عنوان «لبنان بين إصلاحات سيدر واختلالات الاقتصاد»، والتي تتضمن قراءة في نتائج مؤتمر «سيدر»، والإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة، والاختلالات القائمة في الاقتصاد اللبناني، وتوصيات للسياسة العامة.
وترى الدراسة أن إنعقاد مؤتمر سيدر ونتائجه لا سيّما لناحية إقرار مساعدات مالية كبيرة بقيمة 11.6 مليار دولار شكّل صدمة معنوية كبيرة للبنان، إذ عكست ثقة المجتمع الدولي بالبلد وبقدرته على تجاوز الصعاب والتحدّيات الماثلة والمستقبلية التي يواجهها وسيواجهها خلال المرحلة المقبلة.
وأوضحت أن الدولة اللبنانية هي اليوم أمام تحد حقيقي لإثبات قدرتها على الوفاء بإلتزامات مؤتمر «سيدر»، وتحديداً تطبيق الإصلاحات المالية والهيكلية والقطاعية المطلوبة من قبل الدولة والمنظمات الإقليمية والعالمية المانحة التي شاركت في المؤتمر.
وأكدت أن السلطات اللبنانية يجب أن تركّز على تكبير قاعدة الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تنشيط حركة القطاعات الاقتصادية الأساسية وتحديداً السياحة، والعقارات، والبناء، والصناعة، والقطاع المصرفي.
وأشارت الدراسة إلى أن لبنان بحاجة إلى ترشيد الإنفاق الإستهلاكي، وإلى تحسين الإمكانات التصديرية وضبط نمو الإستيراد الوطني، وفي الوقت ذاته ترشيق حجم القطاع العام، وزيادة الاستثمارات الخاصة والعامة.
وتحدّثت عن ضرورة تركيز السلطات اللبنانية على السيطرة على عجزين أساسيين يواجهان لبنان، الأول هو العجز الخارجي المتمثل في كبر حجم العجز التجاري نظراً لتفوق قيمة الإستيراد الوطني (23 مليار دولار لعام 2017) على قيمة التصدير الوطني (3 مليارات دولار فقط للعام ذاته). أما العجز الثاني فهو العجز الداخلي المتمثل في عجز المالية العامة للدولة الذي بلغ 3.8 مليارات دولار لعام 2017 بسبب تفوق قيمة النفقات العامة (15.4 مليار دولار) على قيمة الإيرادات العامة (11.6 مليار دولار)، علماً بأن الجزء الأعظم من هذه النفقات وتحديداً نحو 92% هي نفقات جارية.
وشددت الدراسة على أهمية زيادة الإستثمارات العامة والخاصة في قطاعات البنية التحتية مثل الكهرباء والاتصالات والطرقات والمياه وغيرها، من أجل تحديثها وتطويرها لكي تلعب دوراً مساعداً في تحريك معدلات النمو الاقتصادي صعوداً. واكدت انه من الضروري زيادة الإستثمارات العامة والخاصة في قطاع الكهرباء، وتحديداً في إنشاء وحدات إنتاجية جديدة من أجل زيادة عرض الطاقة الكهربائية لتلبّي إحتياجات الطلب المتزايد عليها. كذلك فإن قطاع الاتصالات، المفترض أن يوفّر للخزينة العامة إيرادات كبيرة، لا يؤمّن أكثر من 1.3 مليار دولار أي نحو 11.2% من الإيرادات العامة. وإن إصلاح قطاع الاتصالات يتطلب تحريراً له بحيث تزداد المنافسة بين شركات القطاع الخاص التي ستدخل إليه، وتساهم في تحديث وعصرنة وتطوير هذا القطاع الحيوي ومساهمته الإقتصادية.
وشددت الدراسة على ضرورة قيام السلطات اللبنانية بإجراءات وتدابير حازمة وجدّية وفعّالة من أجل ضبط وتقليل الفساد، والتهرّب الضريبي (المقدّر بحوالي 4 مليارات دولار أو أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي)، والتهرّب الجمركي، وأيضاً معدل الجباية المتدني للأموال العامة وخصوصاً في قطاعات المياه والكهرباء (المقدّر بحوالي 40% فقط للكهرباء).
وشددت على أهمية تنبّه السلطات اللبنانية لمفاعيل إمكانية زيادة معدلات التضخم في السنوات القادمة، عند ضخّ أموال سيدر (في حال تطبيق الإصلاحات المطلوبة) في الاقتصاد الوطني، وفي حال تم رفع معدلات بعض الضرائب الحالية مثل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على المحروقات وتطبيق تعرفات جديدة في قطاعي الكهرباء والمياه. أضف إلى ذلك تكاليف سلسلة الرتب الرواتب، المقدّرة بحوالي 1.8 مليار دولار بدلاً من 800 مليون دولار كما كان متوقعاً في البداية. وكذلك لمفاعيل إمكانية زيادة معدلات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.